The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

دور التكنولوجيا في أي حل لمعضلة المناخ

إذا كان على العالم أن يتفادى "التأثيرات [المناخية] الحادة، الواسعة الانتشار والحتمية"، فلابد من تقليص انبعاثات الكربون في أسرع وقت ــ ويعتمد تحقيق مثل هذه التخفيضات بشكل جزئي، وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، على توفر "تقنيات أساسية". لكن توجد حجج كثيرة تدحض تلك الثقة الكبيرة في فعالية الحلول التكنولوجية بالنسبة لمعضلة المناخ. فقد تكون الشبكات الكهربائية سيئة التجهيز بشكل يجعلها غير قادرة على استيعاب الطاقة المتجددة المنتَجة على نطاق هائل. كما أن كثيرًا من الابتكارات التكنولوجية التي رُوج لها في الماضي فشلت في تحقيق نجاح عملي. بل إن التقنيات الناجحة ستكون فائدتها محدودة في المساعدة على تحاشي كارثة مناخية إذا تأخر نضجها واكتمالها. ستجدون أدناه كيف تناول خبراء من بنجلاديش والهند والولايات المتحدة الأميركية السؤال التالي: إلى أي مدى يمكن للعالم الاعتماد على الابتكار التكنولوجي لمعالجة التغير المناخي؟ وأي تقنيات واعدة ــ في مجالات توليد وتخزين وحفظ الطاقة وتخزين الغازات الدفيئة أو إزالتها من الغلاف الجوي ــ تبدو الأكثر قدرةً على مساعدة العالم في التعامل مع ظاهرة الاحترار العالمي؟

تابعونا على الفيس بوك:

Bulletin of the Atomic Scientists: اللغة العربية

تابعونا على تويتر:

@Bulletin_Arabic

Round 1

ليست عبئًا بل فرصة

أصبح التغير المناخي الذي سببه الإنسان واقعًا ملموسا ــ فهو أمر حادث بالفعل. وإذا لم تُخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير خلال العقدين التاليين، فسيصير الوضع أسوأ بكثير بنهاية القرن. والمطلوب هنا إجراء سلسلة من التغييرات في اقتصاد الطاقة العالمي حتي يقوم على موارد غير ملوثة بدلاً من الاعتماد بشكل رئيس على أنواع الوقود الأحفوري. لكن كما هو الحال في معظم الأمور، فإن العلة في التفاصيل.   

فالتفاصيل معقدة للغاية عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، إذ أن كل دولة مطالبة بأن تبتكر استراتيجية للانتقال في مجال الطاقة تلائم ظروفها الخاصة وتتسق في الوقت ذاته مع الأهداف الدولية لخفض الانبعاثات. 

بعد أعوام من التعهدات المحبطة المتعلقة بالمناخ والتي قدمتها دول مختلفة حول العالم، ظهر مؤخرا بعض العزم الإيجابي على التحرك قدما. فقبل المؤتمر الدولي الرئيس للمناخ المقرر عقده في باريس خلال تشرين الثاني/نوفمبر، قدمت نحو ثلاثة أرباع دول العالم خططًا ــ عرفت بأنها مساهمات مقررة مستهدفة قوميًا ــ تصف كيف ستقوم هذه الدول بمرور الوقت بإدارة انتقال من الوقود الأحفوري إلى موارد طاقة نظيفة. لكن حتى الآن، لن تفضي هذه الخطط في مجموعها إلا إلى خفض مسار زيادة درجة الحرارة العالمية إلى نحو 3 درجات مئوية فوق درجات ما قبل الثورة الصناعية ــ أي أعلى بالكاد من هدف الدرجتين المتفق عليه دوليًا. ومن المأمول أن تتعهد تلك الدول في باريس بتخفيضات أكبر مما وعدت به بالفعل. لكن إذا أخفق المؤتمر في التمخض عن تخفيضات إجمالية تؤدي إلى تقليص الاحترار إلى درجتين، فإني أتصور أنه يمكن "زيادة" الأهداف القومية مستقبلًا كل خمسة أعوام.  

الانبعاثات المنخفضة كمنفعة مشتركة. إذا كان على العالم تحقيق انتقال ناجح إلى الطاقة النظيفة، فيجب على الدول أن تغير بشكل جوهري نظرتها المستقبلية للمعالجات التكنولوجية لقضية تغير المناخ. إذ يجب ألا تنظر إلى الخيارات التي تتيحها التكنولوجيا لمستقبل الطاقة النظيفة على أنها أعباء أو تكاليف ــ بل هي فرص للدول لتحقيق مستقبل أفضل وأنظف وأكثر فعالية لمواطنيها.   

تعد بلدي بنجلاديش عرضةً للتأثر بتغير المناخ إلى درجة كبيرة. فالتضاريس المسطحة، والتعرض للفيضانات، والاعتماد على الرياح الموسمية تجعل لدى بنجلاديش أسبابًا كثيرة للخوف من وقوع أعاصير أقوى، وزيادة الجفاف، وزحف التملح، وما شابه ذلك. ومما يزيد الوضع تعقيدًا أن سكان بنجلاديش البالغ عددهم 170 مليونًا، بينهم أكثر من 30 بالمئة يعيشون تحت خط الفقر، يقطنون دولة لا تزيد مساحتها عن حوالي 130 كيلو متر مربع، مما يجعل بنجلاديش واحدة من أعلى الدول كثافة في العالم.

لكن مع فقر بنجلاديش ــ وهي مسؤولة عن نحو أقل من واحد بالمئة من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم ــ إلا أنها تحقق قفزات كبرى في مجال توفير الطاقة الشمسية لمواطنيها، حيث تم بالفعل تركيب ما يزيد عن 3 ملايين نظام شمسي منزلي،  إضافة إلى 70 ألف نظام سيدخلون الخدمة كل شهر، وهو ما يجعل برنامج بنجلاديش للأنظمة الشمسية المنزلية الأسرع نموًا في العالم.

والتوسع في الطاقة الشمسية في بنجلاديش ليس هدفه في المقام الأول خدمة أغراض التخفيف من ظاهرة تغير المناخ ــ وإن كان ذلك منفعة مشتركة مرغوبة. لكن بنجلاديش تستثمر بكثافة في الأنظمة الشمسية المنزلية كي تلبي الطلب على الكهرباء المنزلية، حتى لأفقر الأسر. إذًا فإن أكثر الأنظمة شيوعًا تعد صغيرة نسبيًا ــ فهي تكفي فقط لإضاءة بعض المصابيح الكهربائية، وتشغيل جهاز راديو وتليفزيون. وبالنسبة للزبائن، فإن دوافع إقبالهم الرئيسة على استخدام الكهرباء تقتصر على تمكين أولادهم من إنجاز الفروض المنزلية بعد حلول الظلام والاستغناء عن مصابيح الكيروسين. في الحقيقة، يشتري الزبائن غالبًا الأنظمة الشمسية المنزلية بواسطة القروض التي يعد سدادها أرخص من شراء الكيروسين.          

ومما يجعل هذا ممكنًا بشكل جزئي وجود شراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تقدم شركة تسمى تطوير البنية التحتية، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة، قروضًا منخفضة التكلفة لأصحاب حق الامتياز في أنحاء الدولة، الذين يقومون بعذ ذلك بتوفير الأنظمة الشمسية المنزلية (عادةً ما تُشترى بنظام التقسيط) إضافة إلى خدمة ما بعد البيع للزبائن. وتستكشف الحكومة والقطاع الخاص حاليًا طرقًا لتوفير أنظمة فولتضوئية أكبر تستطيع أن توفر الطاقة لضخ مياه الري للأغراض التجارية والصناعية. باتت المحصلة النهائية الآن أن أصبحت الطاقة الشمسية جزءًا رئيسًا من خليط الطاقة في بنجلاديش، ورغم بقاء الحاجة لتوليد الطاقة من الوقود الأحفوري، فإن الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري سيتلاشى بمرور الوقت.   

يجب أن تصبح مثل هذه الانتقالات من الوقود الحفري إلى تقنيات الطاقة النظيفة هي النموذج في كل دولة ــ غنية كانت أو فقيرة ــ إذا كانت هناك إرادة جادة لمعالجة التغير المناخي بنجاح. ستختلف الظروف من دولة لأخرى، كما ستتباين التقنيات التي تختارها كل دولة للاستثمار فيها، لكن أكثر الدول نجاحًا ستكون تلك التي تحقق الانتقال الأسرع إلى مرحلة ما بعد الوقود الأحفوري.  

التغير المناخي والطاقة المتجددة والتخلي عن المعتقدات السائدة

كي يعالج العالم قضية التغير المناخي، ينبغي عليه أن يبتعد عن أنواع الوقود الأحفوري ويتجه نحو نظم الطاقة المنخفضة الكربون القائمة على التجدد في الغالب. ولا شك أن هذا يتطلب ابتكارًا تكنولوجيًا ــ بيد أن التغيير التكنولوجي ليس الجزء الأصعب في هذا الشأن. فالتقنيات الأساسية موجودة بالفعل، فهي تتطور بوتيرة سريعة مع نشرها على نطاق واسع.

وتتركز الأجزاء الصعبة في مسألة الانتقال إلى الطاقة المتجددة في الابتعاد عن الهيكل الموجود لنظم الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري، والتغلب على المقاومة السياسية والمؤسسية والثقافية للتغيير. إلا أن مثل هذه المقاومة قوية جدًا ــ لأن الوقود الأحفوري ليس مُرسخًا فقط في تكنولوجيا نظم الطاقة، بل في النظم المالية، والجغرافيا السياسية، والمؤسسات، والثقافة أيضًا. لذا فإن الاستجابة للتغير المناخي لا تتطلب استثمارات في الابتكار التكنولوجي فحسب، لكن تحتاج كذلك إلى تعهد بتغيير المؤسسات والنظم الاقتصادية والسياسية ــ إضافة إلى تعهد بتغيير سياسي مواز. ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات بالتالي إلى تقليل الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري ذات الكثافة الكربونية العالية، وتعزيز ازدهار التقنيات المتجددة.

تحولات غير متوقعة. إن نشر الطاقة المتجددة على نطاق واسع يعني في المقام الأول تغيير أساليب إنتاج واستخدام وتوزيع الطاقة، ويعني أيضًا إعادة تقييم وإعادة تأطير المسلمات الثقافية والمؤسسية العتيقة المتعلقة بالطاقة. كما يتطلب هذا تعلمًا بالممارسة، حيث تكتسب المرافق، والمنظمون، ومطورو الطاقة المتجددة، والمجتمعات، والعملاء خبرة في تنفيذ نظم الطاقة المتجددة. وبهذه الخبرة العملية،  يمكن للأفراد والمنظمات التخلي عن بعض المعتقدات السائدة المحيطة بقطاع الطاقة.  

الجيد هنا أن المعتقدات السائدة باتت بالفعل تواجه رفضًا واعتراضا، فالمسلمات آخذة في التغير بالفعل، والتعلم الاجتماعي يحدث الآن على الأرض، ويصاحب كل ذلك تمدد وانتشار الطاقة المتجددة بسرعة فاقت كل التقديرات تقريبا.

بالتأكيد هناك برهان ساطع على الحاجة إلى تغيير المسلمات والتخلي عن المعتقدات السائدة تمكن رؤيته جليًا في الكثير من التوقعات المتعلقة بنمو الطاقة المتجددة التي طُرحت خلال الخمسة عشر عاما الماضية تقريبا. فقد جاءت تقديرات منظمات مطلعة في مجال الطاقة كالوكالة الدولية للطاقة، وإدارة معلومات الطاقة الأميركية، وقاعدة بيانات مخططات تقييم الطاقة العالمية، بشأن مدى السرعة المتوقعة لنمو الطاقة المتجددة أقل بكثير من الواقع. فعلى سبيل المثال، قدّر التقرير السنوي لتوقعات مستقبل الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية عام 1999 إضافة 800 ميجاوات من طاقة الرياح في الولايات المتحدة بين عامي 2000 و2020، باعتبار أن الرياح مورد مكلف للغاية مقارنة بالموارد الأخرى. لكن في الحقيقة، وبفضل عوامل مختلفة مثل مجموعة متسلسلة من حوافز السياسات، والتطورات التقنية، وتخفيضات التكلفة، والقبول الاجتماعي، وتحولات السوق، فقد بلغت جملة ما تمت إضافته بالفعل من طاقة الرياح في الولايات المتحدة نحو 70 جيجاوات ــ أي أكثر من ضعف القيمة الأُسية المتوقعة تقريبا، وفي زمن أسرع من المتوقع بمقدار خمس سنوات. (المدهش في الأمر أن التقديرات المقاربة لمعدل النمو الفعلي للطاقة المتجددة جاءت من منظمة الدفاع عن البيئة "جرينبيس").    

وإذا أردنا مثالاً للتعلم الاجتماعي وتغير المسلمات فسنجده في منطقة الغرب الأوسط الأعلى بالولايات المتحدة، حيث ساهم الانتشار الهائل لطاقة الرياح واسعة النطاق في تغيير طريقة عمل أسواق الكهرباء. فبفضل التحولات الكبرى في قواعد السوق وأساليب التحكم في توربينات الرياح ــ والتي لم تكن متوقعة قبل 10 أعوام ــ أصبح متاحًا الآن لمولدي طاقة الرياح الدخول في مناقصات عبر أسواق اليوم التالي، وذلك بطريقة لا تختلف عن ما قد يحدث مع الكهرباء المنتجة بواسطة أي تكنولوجيا أخرى. وبالتالي يمكن لمولدي طاقة الرياح "تصحيح" عطاءاتهم قبل 10 دقائق من الإرسال، مما يتيح الفرصة لتدقيق العطاءات رغم تقلب موارد الرياح.

وتقدم الطاقة الشمسية الفولتضوئية المولدة فوق الأسطح مثالاً آخر. فقد زودت الطاقة الشمسية السطحية الأفراد والبيوت والمجتمعات بآلية جديدة جوهرية للتعامل مع نظم الطاقة، حيث أتاحت للأشخاص توليد احتياجاتهم من الكهرباء. ويعد هذا بمثابة تحول ثقافي في إنتاج الطاقة. فقد غيرت التصورات الجديدة لمفهوم "المنتج المستهلك" ــ وهو الفرد الذي ينتج احتياجاته من الكهرباء ــ أدوار المواطنين الأفراد في نظم الطاقة (ومكنتهم من ذلك). 

وفي مدينة أوستن بولاية تكساس، قاوم التطور السريع في مجال الطاقة الشمسية الفولتضوئية المسلمات الموجودة وتمكن في النهاية من تغييرها، ومن ذلك على سبيل المثال تلك المسلمات المتعلقة بالتوجيه الأمثل للألواح الشمسية. فمن الثابت أن الألواح الشمسية الموجهة جنوبًا تنتج القدر الأكبر من الكهرباء على مدار عام بمجمله. أما خلال ساعات ذروة الطلب، حينما يكون إنتاج الكهرباء ذات أهمية وقيمة خاصة للمرافق الكهربائية، يكون إنتاج الألواح الشمسية الموجهة غربأ أكثر. وقد أوجد هذا الإدراك نوعًا من الربط بين حوافز المرافق والتوسع في الطاقة الشمسية السطحية.       

لكن رغم قبول بعض المرافق لمصادر التوليد الموزعة كالطاقة الفولتضوئية بل وتبنيها لها ، توجد مرافق أخرى أقل تعاونا. والحقيقة أن الشحن السياسي ضد الطاقة يتنامى بسرعة. وللأسف صارت قضايا الطاقة المتجددة بشكل عام سببًا للخلاف والتحزب في الولايات المتحدة بسبب ارتباط  الطاقة المتجددة بموضوع التغير المناخي "المثير للجدل"، وقدرة هذه الطاقة على زعزعة الاعتماد الوقود الأحفوري.   

ومع ذلك، فإن حدود الممكن آخذة في التغير، نظرا للتفاعل بين الابتكار التكنولوجي والتغير السياسي والمؤسسي والثقافي. وبينما لا يستطيع أحد أن يتنبأ تحديدًا بكيفية تطور نظم الطاقة مستقبلاً في ظل محاولة العالم الاستجابة للتغير المناخي، هناك أمر واحد مؤكد وواضح وهو: أن تنمية وزيادة الطاقة المتجددة سيساعد على مواصلة تحدي المعتقدات السائدة، وسيقلقل المسلمات العتيقة بشأن قطاع الطاقة، وسيتطلب تعلمًا اجتماعيًا متواصلا.

التحدي أعمق من التكنولوجيا

يمتلك البشر قدرة فريدة على تطوير التكنولوجيا التي تؤدي إلى تحويل الطاقة. فعندما تبنى مجتمع صائدي الحيوانات-جامعي الثمار مهنة الزراعة، زاد استخدامهم للطاقة تدريجيا بمقدار ألف ضعف عبر تطورات تكنولوجية شملت تدجين الحيوانات المستخدمة في الأعمال الشاقة، واستخدام النار لأغراض تنظيف وإخلاء الأراضي الزراعية، وصناعة الطوب وصهر المعادن. واستتبع ظهور المجتمعات الصناعية زيادة أخرى بمقدار 50 ضعفًا.    

وقد دأب البشرعلى تقديم حقهم في الطبيعة على حقوق الأجناس الأخرى فيها، وهي العادة التي ارتكز عليها نمو استخدام الطاقة. كما اعتمد هذا النمو أيضًا على الملكية الخاصة للطبيعة، التي تتيح لأي مستثمر ــ فردًا كان أو شركة أو دولة ــ أن يقوم باستثمارات صغيرة في مجال الطاقة تُولد كميات كبيرة من الطاقة الفائضة، والتي تؤدي بدورها إلى تحفيز التطور البشري والتشجيع على إحداث تغييرات في أنماط الحياة، كما أن الرغبة في التطور تؤدي إلى مزيد من النمو في استخدام الطاقة.  

وقد لعب الوقود الأحفوري بكل صوره، بما يتميز به من كثافة طاقة عالية، دورًا رئيسًا في قصة النمو البشري. ففي عام 2012، وهو أحدث عام صدر بشأنه أرقام من الوكالة الدولية للطاقة، وفرت أنواع الوقود الأحفوري 82 بالمئة من الطاقة الأولية في العالم ــ وهي المسؤولة، إضافة إلى التغيرات في استخدام الأرض، عن انبعاثات سنوية من ثاني أكسيد الكربون تقدر بنحو 40 جيجا طن. ولأن نصف هذه الانبعاثات لا يعاد عزلها في باطن الأرض، فإنها تمثل السبب الرئيس للاحترار العالمي.

ما الحل إذًا؟ إنه يتألف من جزأين ــ أحدهما تكنولوجي والآخر سياسي فلسفي. ويجب تنفيذ شطري الحل معًا إذا أُريد تجنب التأثيرات المدمرة الأشد خطورة لظاهرة الاحترار العالمي.  

المشكلات في كل مكان. أولاً، الجانب التكنولوجي. لابد أن يسارع البشر إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة. لكن هل سيجدي فعلًا في هذا الشأن تطبيق أيٍ من الأساليب التكنولوجية لخفض الانبعاثات؟  

أحد الحلول المرشحة تقترح اشتقاق الطاقة من الكتلة الحيوية، التي توفر بالفعل 10 بالمئة من الطاقة التي يستخدمها الناس. وتعد الكتلة الحيوية موردًا واسع الانتشار، ويمكن تحويله بسهولة لتوفير خدمات الطاقة. لكن هناك للأسف إفراط في حصاد الكتلة الحيوية ــ إذ يستخدم الناس 16 بالمئة من الطاقة التي تنتجها النباتات كل عام. ولن يؤدي المزيد من الحصاد إلا إلى استفحال الجروح البيئية القبيحة على الكوكب، التي سبّبها بالفعل استخلاص الكتلة الحيوية، من خلال إزالة الغابات والتغييرات الأخرى في استخدام الأراضي.     

توفر الطاقة الكهرمائية 4 , 2 بالمئة من الطاقة الأولية في العالم، لكن 40 بالمئة من طاقتها المحتملة القابلة للاستغلال قد استُنزفت بالفعل. كما زادت المعارضة للسدود لأنها تدمر الغابات والأراضي الزراعية الواقعة في اتجاه معاكس للتيار المائي، فضلاً عن إمكانية تعرض المناطق الواقعة في اتجاه التيار للغرق عند إطلاق المياه الفائضة من الخزانات. وبالتالي بات من المستبعد توسيع نطاق استخدام الطاقة الكهرمائية كثيرًا إلا في بعض المناطق التي تنتشر فيها التلال.    

أما الطاقة النووية، فتوفر حوالي خمسة بالمئة من احتياجات البشر من الطاقة. لكن العالم الآن بصدد الابتعاد عن الطاقة النووية الحرارية. فهي طاقة قذرة ــ حيث يحمل استخراج اليورانيوم عواقب صحية خطيرة، وهناك نحو 300 ألف طن متري من الوقود النووي المستنفد عالي الإشعاع قد تم تخزينها في مواقع المفاعلات النووية حول العالم. وهي أيضًا طاقة غير آمنة ــ فقد وقعت بالفعل ثلاث حوادث كبرى في مفاعلات للطاقة. كما أنها عرضة لسوء الاستخدام ــ إذ يمكن تحويل اليورانيوم المخصب لتصنيع القنابل النووية. كذلك فإن هذه الطاقة مكلفة ــ فهي أغلى بكثير من الوقود الحفري. 

بعد ذلك، تأتي الطاقة الشمسية المركزة والخلايا الكهروضوئية والرياح، وكلها مجتمعة توفر واحد بالمئة من الطاقة العالمية. وتنمو هذه المصادر بمقدار 15 إلى 40 بالمئة في العام، لكن لها عيوب عدة. فهي تعاني من التقطع، ولا يمكن وضعها إلا في المواقع الملائمة، كما لا يمكن استخدامها مباشرة للتنقل والسفر، إضافةً إلى أن لها تأثيرات بيئية يتم إغفالها غالبًا. كذلك تتطلب منشآت توليد طاقة الرياح ومصانع الخلايا الكهروضوئية مساحات أكبر بكثير من تلك التي تتطلبها مصانع الوقود الأحفوري. وتشير التقديرات الواقعية إلى أن طاقة الرياح القابلة للاستغلال يمكن أن تفي بخمسة بالمئة فقط من الطلب العالمي على الطاقة في الوقت الحالي، وأن كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون تنبعث من تصنيع المعدات الخاصة بتوليد الطاقة من الرياح والشمس. كما لا تزال هذه المصادر أعلى تكلفة من الوقود الأحفوري.   

ماذا عن احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه حتى لا يتسرب أبدًا إلى داخل الغلاف الجوي؟ لأسباب عدة، تراجع الحماس لاستخدام تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) . بدايةً، هناك 14 مشروعًا عاملاً فقط يطبق تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، إضافة إلى ثمانية أخرى تحت الإنشاء. تمثل طاقة هذه المشروعات معًا عُشر واحد بالمئة فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية. كما أن كثيرًا من هذه المشروعات مدمجة مع مشروعات للاستخلاص المعزز للنفط ــ مما يضيع أثر الانخفاضات في الانبعاثات التي حققتها تقنية احتجاز وتخزين الكربون.    

في الوقت نفسه، يُنظر أحيانًا إلى كفاءة الطاقة على أنها طريق سهل لخفض الانبعاثات. لكن هناك حد لمدى ما يمكن تحقيقه من خلال كفاءة الطاقة. علاوة على ذلك، ستصدق هنا مفارقة "جيفونز"— بمعنى أنه إذا زاد توفر الطاقة بسبب زيادة الكفاءة، ستصبح الطاقة أرخص والاستهلاك أعلى. 

منهج مختلف. حتى الآن، تعد ألمانيا وكوبا أكثر الدول نجاحًا في الابتعاد عن الوقود الأحفوري. فألمانيا تضمن تعريفات ثابتة لمنتجي الطاقة المتجددة، أما كوبا فقد ركزت على الكفاءة، إضافة إلى الزارعة العضوية التي تؤدي إلى الحفاظ على الطاقة من خلال تخفيض الاحتياجات من المياه، وتقليل استخدام معدات الزراعة، ونبذ الأسمدة والمبيدات. ويمكن نقل النموذج الألماني إلى الدول المتقدمة، لكن لا يمكن تطبيقه في الدول النامية، نظرًا لأن نسبة كبيرة من مالكي مولدات الطاقة المتجددة هم أفراد أو تعاونيات أو مجتمعات، ومثل هذه الكيانات في الدول النامية تفتقر إلى رأس المال اللازم للاستثمار في الطاقة المتجددة. كما أن التجربة الكوبية هي الأخرى تعد أصعب في التطبيق، لأن الزراعة العضوية ليست مجزية كالزراعة التجارية.

ولكي تستمر الحضارة على نحو مستدام، يجب على البشر الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الشمسية ــ رغم المشكلات التقنية التي تعترض ذلك. فهناك حاجة للاستثمار في الطاقة البيولوجية وابتكارات الطاقة المنخفضة الأخرى. لكن في النهاية، يجب تقليص الاستهلاك العالمي من الطاقة بنحو 60 بالمئة. وسيتطلب ذلك عددًا من التغييرات العميقة غير التكنولوجية. كما يجب إرساء مبدأ العدالة في استخدام الطاقة بين دول العالم ــ إذ ينبغي ألا يستخدم مواطنو الدول الغنية، كما يفعلون اليوم، مئات أضعاف ما يستخدمه مواطنو الدول الأشد فقرًا من الطاقة. ويجب التخلص من مفهوم حقوق ملكية الطبيعة، وإبداله بالحق في استخدام الطبيعة دون تدميرها. كذلك يتحتم على الاقتصاد العالمي أن يعطي الأولوية لمبدأ "تقليص المخاطر للجميع" بدلاً من "تعظيم المكاسب لقلة بعينها". ولابد أيضًا من تأسيس اقتصاد حالة مستقرة ــ أي اقتصاد مستدام يحافظ على توازن الطبيعة.

إن لمثل هذه التغييرات مقتضيات ثورية. إذ يجب أن تقلص الولايات المتحدة وكندا استهلاكهما من الطاقة بنحو 90 بالمئة، كما يجب أن تخفض أوروبا وأستراليا وجنوب آسيا واليابان استهلاكها بمقدار 75 بالمئة تقريبا. ولابد أن تتقلص رقعة المدن بشكل كبير، وأن تختفي فروق الطاقة بين المناطق الحضرية والريفية.  كما يجب إعطاء الأولوية للمحلية وتقليل مركزية الحكم. كذلك يجب تنفيذ معايير متماثلة فيما يتعلق بالمخاطر والانبعاثات تكون ملزمة للجميع.    

الحلول التكنولوجية للتغير المناخي ستكون صعبة التنفيذ، وإن كانت التحديات السياسية والفلسفية أصعب، إلا أنه يمكن التغلب عليها إذا حارب الناس أنفسُهم من أجل المطالب التي رفعها كثيرون خلال مسيرات من أجل المناخ العام الماضي، وعلى رأسها "حافظوا على المناخ، وغيروا الاقتصاد!"

إذا لم تسفر مثل هذه المطالب عن تغير سريع وملموس، يبقى الأمل في أن يستطيع البشر تشكيل مجتمعات مستدامة، عادلة وسلمية، وإلا سيقوم الاحترار العالمي بتنفيذ تغييراته المؤلمة للغاية.

Round 2

بقاع مضيئة وإمكانيات عظيمة

حتى هذه المرحلة من مناقشات المائدة المستديرة، قدم كل من "سليم الحق" و"ساجار دارا"، وبالأخص الثاني، انتقال العالم من الوقود الأحفوري على أنه أمر مهم للغاية وشاق جداً في نفس الوقت. ونتفق، نحن مؤلفتا هذا المقال، مع هذا الرأي ــ وإن كنا نرى أيضاً أسباباً للأمل. وهو أمل لا يعتمد على التكنولوجيا وحدها، بل ينبع من التغييرات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تحدث في "البقاع المضيئة" من العالم ــ ونقصد بها تلك الأماكن التي تشهد بالفعل تقدماً سريعاً في جهود إبدال أنواع الوقود الأحفوري بنظم طاقة قائمة على التجدد. في مثل هذه الأماكن، ضُخت استثمارات هائلة في مجال التقنيات المتجددة. كما صاحبت هذه الاستثمارات ودعمتها تغييرات موازية في السياسة والسياسات العامة، وفي التخطيط وتشغيل نظم الطاقة، وفي طرق تفكير المنظمات بشأن الطاقة ذاتها، ثم بشأن استخدامها فيما بعد. في تلك البقاع المضيئة، يقبل الأفراد والعائلات والشركات والمجتمعات على فهم الإمكانيات الكامنة في نظم الطاقة القائمة على التجدد ــ بينما يولون ظهورهم للنظم المعتمدة على الوقود الأحفوري وكذلك الأعراف السياسية والثقافية والمؤسسية الموجودة.   

 بالتأكيد لاتزال المحفزات والبنية الأساسية الموروثة التي تحيط  بالوقود الأحفوري قائمة ومتماسكة إلى حد كبير في أجزاء كثيرة من العالم. كما أن جهود الانتقال إلى نظم طاقة مستدامة تسير بسرعات متنوعة في أماكن مختلفة. فنجد أن نظم الطاقة حتى في الدول المتجاورة مثل فنزويلا والبرازيل، أو ألمانيا وبولندا ــ بل في الولايات الأميركية المتاخمة لبعضها مثل مينيسوتا ونورث داكوتا، أوالمقاطعات الكندية مثل كولومبيا البريطانية وألبرتا ــ  تتفاوت حركة تغيرها بدرجة كبيرة. لكن ما أسباب هذه التفاوتات؟ إنها ليست ناجمة فقط عن الاختلافات في الموارد الطبيعية والتقنيات، بل أيضاً عن الاختلافات الجوهرية في السياسة والمؤسسات والأعراف الاجتماعية والسياسية.

لقد أثار "دارا" نقاطاً مهمة تتعلق بالتحديات التي تواجه طاقة الرياح والطاقة الشمسية ــ وهي الجدوى التكنولوجية والتأثيرات البيئية لهاتين الطاقتين. لكن تلك التحديات، رغم خطورتها، لن تحول دون تحقيق الانتقالات إلى الطاقة المتجددة. بل إنها تبرز أهمية التفاعل الديناميكي بين تطور النظم التكنولوجية وتطور النظم الاجتماعية. في الحقيقة، إن التحدي الأكبر أمام الانتقالات إلى الطاقة المتجددة يتعلق بإمكانية حدوث التغييرات السياسية والمؤسسية والثقافية بسرعة كافية لدعم التغييرات التكنولوجية.

يقول "دارا" أيضاً إن تحريك ودفع هدف المساواة في تقليل انبعاثات الكربون عالمياً يتطلب أن تقلص كل من الولايات المتحدة وكندا استهلاكهما من الطاقة بنسبة 90 بالمئة ــ وأن تخفض الأقاليم الصناعية الأخرى استهلاكها بنسب هائلة أيضا. لا شك أن هناك فكرة جديرة بالإشادة وراء اقتراح "دارا"، لكن يصعب تحديد آلية لتسهيل تغييرات نظم الطاقة وفق مقياسٍ كهذا. بل إن مقترحاً كالذي طرحه "دارا" قد يؤدي في الحقيقة إلى نتائج عكسية ــ  فعندما يبدو المقياس لتحدٍ بعينه شاقاً للغاية، سيميل الناس إلى الإعراض عنه. وكما يقول المثل، يجب ألا يكون المثالي عدو الجيد. وما نحتاجه هو الاعتراف بتناقضات التغيير الاجتماعي وتقبلها ودعم العمليات المتعددة التي تتيح للمجتمعات تعلم التغيير من خلالها.      

لا أحد يعرف بالضبط كيف ستتغير وتتطور نظم الطاقة المستقبلية. ولا ريب أن الانتقالات من أنواع الوقود الأحفوري تحركها مجموعة من العوامل تتجاوز عامل التغير المناخي ــ فمن بين المنافع المشتركة لنظم الطاقة القائمة على التجدد تقليل مستويات تلوث الهواء، وزيادة الاعتماد على مخزون الطاقة المحلية، وتحقيق استقرار أكبر في أسعار التكلفة. وتدفع تلك المنافع المشتركة حركة التغيير بطرق مختلفة في أماكن مختلفة. لكن نظراً لأن الناس والأماكن يسلكون عدداً كبيراً ومتنوعاً من طرق الطاقة، فمن المهم أن نعترف بالأمثلة التي تشهد بالفعل حدوث تعلم وتغيير. وبالتالي فإن التفاؤل بتحولات صور الطاقة أمر مبرر ــ وهو تفاؤل لا يستند إلى التكنولوجيا وحدها، بل يستند كذلك إلى التغييرات الاجتماعية-التكنولوجية المصاحبة للانتقالات إلى الطاقة المتجددة. إن الروابط بين التغييرات الاجتماعية والتغييرات التكنولوجية تمدنا بأسباب الأمل، وتلك النقاط المضيئة تبرز إمكانيات كبرى لتنفيذ انتقالات ناجحة إلى الطاقة المتجددة وتطوير مزيد من نظم الطاقة المستدامة. 

مسار واضح ومسافرون حائرون

لطالما أقنع البشر أنفسهم بأن التكنولوجيا ستنقذهم من الكارثة، كما أخذوا يمنون أنفسهم بأسطورة الخصوبة لأرضٍ مواردها غير محدودة. وقدعانت بعض المجتمعات  ــ مثل الماياويين ــ من انهيارات تامة عندما فشلت تقنياتهم أوعندما شحت موارد الطاقة أو الموارد المادية. وسيواجه البشر مأزقاً مماثلاً في المستقبل غير البعيد جداً إذا وضعوا ثقة مفرطة في المعالجات التكنولوجية للتغير المناخي دون تاكيد كافٍ على ضرورة إحداث تغييرات سياسية وفلسفية. لكن تلك الثقة المفرطة في التكنولوجيا هي ما عرضه وأبرزه زملائي في المائدة المستديرة "جيني ستيفنز" و"إليزابيث ويلسون" و"سليم الحق" في مناقشات الجولة الأولى من المائدة المستديرة، عندما تحدثوا عن طاقة الرياح وتقنية الطاقة الفولتضوئية المولدة عبر الأسطح.

وقد ناقشت في مقالي الأول عوامل عدة تقيد تقنيات الطاقة الفولتضوئية وطاقة الرياح ــ من ناحية تقطّعها ومتطلباتها بالنسبة للأراضي المستخدمة لأغراضها، إلى غير ذلك من المعوقات. ولم تكن لدي مساحة كافية لذكر بعض القيود الأخرى الإضافية، ومنها اعتماد كل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على عناصر أرضية نادرة يحتمل أن تصبح شحيحة خلال 20 عاماً أو نحو ذلك. وقبل خمسة أعوام فقط، كانت الصين تنفرد بإنتاج 95 بالمئة من إنتاج العناصر الأرضية النادرة، مما أثار مخاوف من أنها قد تمارس تحكماً احتكارياً. ومنذ ذلك الحين، انخفض نصيب الصين من الإنتاج، وإن كانت لا تزال تمتلك أكبر احتياطي من العناصر الأرضية النادرة بفارق شاسع، كما لا تزال المخاوف من السلوك الاحتكاري قائمة. في الوقت ذاته، فإن تقنيات الطاقة المتجددة التي يمكن الاستفادة منها دون اعتماد على العناصر الأرضية النادرة، لاسيما التقنيات الفولتضوئية، ليست قريبة من الانتشار التجاري.

وكما ذكرت بشكل عابر في الجولة الأولى من مناقشات المائدة المستديرة، فإن تصنيع اللوحات الفولتضوئية سينتج عنه انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي واقع الأمر، أظهرت تحليلات الدورة الحياتية للخلايا الفولتضوئية أنه في حال نمو التصنيع بمعدل سنوي يتجاوز معكوس زمن "استرجاع" ثاني أكسيد الكربون الصادر عن تصنيع اللوحات، فإن الخلايا الفولتضوئية ستتسبب في انبعاثات خلال عملية تصنيعها أكثر من التي ستُخزن خلال استخدامها. لتوضيح ذلك، فإن متوسط فترة "استرجاع" ثاني أكسيد الكربون بالنسبة للخلايا الفولتضوئية يقارب الآن ثمانية أعوام ــ مما يعني أن وتيرة نمو الخلايا الفولتضوئية تجب ألا تزيد عن 12 بالمئة سنوياً كي تصبح مؤهلة كعامل مخفف صافٍ لثاني أكسيد الكربون. لكن في حقيقة الأمر، نمت الخلايا الفولتضوئية بمعدل سنوي بلغ 40 بالمئة من عام 1998 حتى عام 2008، وبمعدل 59 بالمئة بين عامي 2008 و2014. وبالتالي كانت الخلايا الفولتضوئية مصدراً صافياً للانبعاثات لأعوام. ولإبدال الوقود الأحفوري بالخلايا الفولتضوئية في توليد الكهرباء فقط (ناهيك عن النقل والمواصلات أو المجالات الأخرى) ـــ مع النمو بمعدل أبطأ من الذي يتيحه "استرجاع" الكربون ــ فربما سنكون بحاجة إلى 50 عاما، والانتظار لمدة كهذه حتى يتم الاستغناء عن الوقود الأحفوري طويل للغاية.

أما طاقة الرياح، فمشكلتها مختلفة تماما، وفقاً لما أوضحه بحث حديث حول مزارع الرياح في كانساس. يشير هذا البحث إلى أن التوربينات في مزارع الرياح الكبرى خلال إزالتها الطاقة الحركية من التيار الجوي المتدفق، فإنها تقوم بتخفيض سرعات الرياح، وبالتالي تقيد معدلات توليد الكهرباء. ولهذا السبب تمثل طاقة الرياح المستغلة مورداً صغيراً للغاية مقارنة بالطلب الحالي على الطاقة. وعليه فإن طاقة الرياح لا يمكن أن تحل محل الوقود الأحفوري (مع تسببها في الوقت نفسه في مشاكل بيئية مثل وفيات الطيور).       

ورغم اختلافي مع النظرة المتفائلة بالتكنولوجيا التي عبر عنها "سليم الحق" و"ستيفنز" و"ويلسون" ــ وهو تفاؤل قائم على تجارب محدودة وصغيرة للغاية بدلاً من منظور عالمي شامل للطلب على الطاقة والعوائق التي تعترض نشر الطاقة المتجددة، وغير ذلك من المشكلات ــ لكني أتفق معهم في نقاط محددة. إذ أتفق مع "سليم الحق" في أن "الانتقالات من الوقود الحفري إلى تقنيات الطاقة النظيفة تجب أن تكون النموذج في كل دولة ــ غنية كانت أو فقيرة"، رغم المشكلات المرتبطة بالطاقة المتجددة. كما أتفق مع "ستيفنز" و"ويلسون" في أن التغلب على المقاومة السياسية والمؤسسية والثقافية للتغيير يمثل جزءاً رئيساً من تحقيق الانتقالات بين أنواع الطاقة (والتي بالنسبة لي تشمل تأسيس عدالة دولية في استخدام الطاقة، وتقليل استهلاك الطاقة).

لاشك أنه إذا أمكن تنفيذ حلول المشاكل غير التقنية، سيصير من الممكن خفض الانبعاثات سريعاً وبدرجة كبيرة ــ مع إرجاء التقنيات الشمسية المحسنة حتى تنضج وتنتشر. لكن الحلول التي تدور في عقلي قد تختلف من تلك الحلول التي يتصورها زملائي. على سبيل المثال، أتصور أن العالم سوف يلين ويستجيب، وستنتهي به الحال في النهاية إلى اقتلاع الحدود بين دوله. وقد يسهم ذلك في التخلص من نحو 10 بالمئة من الانبعاثات في العالم على الفور لأن الجيوش الموجودة حالياً، بما يصدر عنها من انبعاثات هائلة، سيقل عددها إلى أدني حد. وسيذهب الناس، كما فعلوا لآلاف السنين قبل ظهور الوقود الأحفوري، إلى حيث توجد الطاقة بدلاً من العكس، مما سيؤدي إلى خفض كلٍ من الانبعاثات وتكاليف نقل الطاقة. كما أن حظر النقل الجوي والنقل السطحي الخاص المعتمد على الوقود الاحفوري قد يسهم في التخلص من 10 بالمئة أخرى من الانبعاثات. وقد يفضي تقليص عدد المدن وإعادة الطابع الريفي إلى العالم إلى خفض 10 بالمئة إضافية. تغييرات كهذه، حال تحقيقها، من شأنها أن تضع العالم على طريق يؤدي إلى الاستدامة والسلام والمساواة.  

إن الطريق قُدماً واضح، لكن استعداد العالم للانطلاق فوقه أمر تكتنفه شكوك كبيرة.

Round 3

متناقضة باريس

\من المعروف أن هدف مباحثات المناخ في فرنسا هو التوصل لاتفاق يحظى بإجماع عالمي. لكن كل الأطراف المتقابلة هناك ــ وهم هؤلاء الآلاف من المفاوضين، والسياسيين، والمدافعين عن البيئة، والمشاركين من المجتمع المدني، وممثلي المنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص ــ تدرك أن نتائج المؤتمر ستكون محبطة وغير كافية بأي شكل من الأشكال. بل إن أي اتفاق سيبدو عديم الجدوى تماماً بالنسبة للبعض. فلن يمنع أي اتفاق، مهما كان طموحاً وقوياً، ارتفاع مستوى البحر من تهديد الدول الجزر مثل المالديف (الدولة المهددة بتغيرات المناخ التي تحدث عنها سلفاً في الجولة الثالثة زميلنا بالمائدة المستديرة "ساجار دارا"). ولن يستطيع أي اتفاق منبثق عن المؤتمر أن يحمي بصورة كافية ملايين الأشخاص حول العالم ممن يواجهون اضطرابات مناخية تتنوع مظاهرها من فيضاناتٍ إلى جفافٍ متزايد إلى عواصف أعتى.

وفي مكان ليس ببعيد عن موقع انعقاد المؤتمر في "لي بورجيه"، يقع "البانثيون" التاريخي أو مقبرة العظماء، وهو مبنى أثري يقع وسط باريس. وقد نُصب خارج هذا المبنى عمل فني يسمى الساعة الثلجية في الثالث من ديسمبر الماضي ــ ومن المنتظر أن يذوب مع اقتراب المؤتمر من نهايته في الحادي عشر من ديسمبر. ويتكون العمل الفني من اثنتي عشرة كتلة ضخمة من الثلج تم جلبها من بين جبال الثلج الطافية في أحد المضايق بجزيرة جرينلاند. وتمثل هذه القطع، التي رُتبت في دائرة بطريقة تشبه وجه الساعة، الوقت المحدود المتبقي للتحرك الفعال لمعالجة مشكلة المناخ. أما الساعة الثلجية ككل، التي صممها المتخصص في الفنون البصرية "أولافور إلياسون" (بالتعاون مع الجيولوجي "مينيك روزينج") فتُظهر بطريقة بسيطة وملموسة الوضع الخطر الذي يواجهه العالم.

تذكرنا الساعة الثلجية أيضاً بمجموعة من الحقائق المتناقضة ظاهرياً فيما يتعلق بالتغير المناخي واستجابة البشر له، حيث تمثل المواقف تجاه المناخ اليوم شكلاً من أشكال التناقض. فمن جانب نجد أن هناك إحساساً بالخيبة وعدم الجدوى، المتمثل في يأس عميق من تغير المناخ في حد ذاته ومن جهود العالم غير الكافية لمعالجته. وعلى الجانب الآخر ــ وبشكل أقل ما يوصف به أنه يعادل الإحساس بعدم الجدوى لدرجة ما، نجد أحساساً بالتفاؤل المتولد من الضرورة. وينبع هذا التفاؤل من الإرادة البشرية القوية للبقاء، ومن الابتكار والإبداع والأمل، وكلها صفات تلازم غريزة البقاء. ولا شك أنه يصعب تغيير النظم البشرية ــ ومنها على سبيل المثال نظم الطاقة الضرورية. وعندما يواجه البشر مشكلات صعبة، تكون "حلولهم" دائماً ناقصة. لكن من الحقيقي أيضاً أنه عندما يحدث التغيير، فإنه يحدث بطرق غير متوقعة وغير مباشرة.

لقد بحثت هذه المائدة المستديرة قضية ما إذا كان البشر قادرين على تطوير تقنيات واستغلالها بصورة كافية لمعالجة معضلة المناخ. لكن السؤال الأكبر يتعلق بشيء آخر وهو: هل يستطيع البشر أن يعيدوا تنظيم وتوجيه وتوزيع الموارد بسرعة ــ وهل يستطيعون تحويل مؤسساتهم ومجتمعاتهم حتى يكون مناخ الأرض مستقراً وحتى تقل المعاناة والاضطرابات المستقبلية؟ إن هذه المسألة أكبر من المسألة التكنولوجية الضيقة، وأصعب علاجا. كما أنها مسألة تستحق كثيراً أن يتبناها الجميع.

نحو مجتمعات مستدامة وعادلة

زرت جزر المالديف مراتٍ عدة على مدار العقد الماضي، وهي دولة تتألف من 26 جزيرة بركانية في المحيط الهندي. وكان الهدف من تلك الزيارات مساعدة وزارة البيئة والطاقة في مراقبة ورصد تلوث الهواء. لكني وجدت اهتمام المالديفيين بمناقشة قضية تلوث الهواء أقل من اهتمامهم بمناقشة مصيرهم بعد أن يبتلع البحر جزرهم الجميلة، ويحول ما يقرب من 400 ألف شخص إلى منفيين دائمين لأسباب مناخية. وفي محاولة منه لتسليط الضوء على التهديدات المناخية التي تواجهها المالديف، عقد رئيس البلاد اجتماعاً حكومياً في قاع البحر عام 2009. لكن يبدو أن المهتمين فعلاً بالتحديات التي تواجهها تلك الدولة قليلون.

ستشكل الشعوب الفقيرة في الدول النامية مستقبلاً أغلبية اللاجئين بسبب (تغير) المناخ العالمي، رغم أن دورها في التسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري صغير ومحدود، إذ لا يتجاوز متوسط الانبعاثات التاريخية للفرد منهم ثُمن انبعاثات نظيره في الدول المتقدمة. لكن شعوباً كهذه، بواقعها الذي يشمل مستويات تنمية منخفضة ومواقع جغرافية غير جيدة، ستكون الأكثر تعرضاً لتأثيرات الاحتباس الحراري الأشد ضراوة ــ مثل ارتفاع مستوى البحر، والجفاف، وحوادث الطقس المتطرف، وتقلب سقوط الأمطار.

أما الدول المتقدمة فقد استفادت من ألفي عام من استخدام أنواع الوقود الأحفوري الكثيف الطاقة.  وفي السنوات الأخيرة، بدأ الأغنياء الجدد في الدول الأقل تقدماً في الاستفادة أيضاً من أنواع هذا الوقود مع زيادة استهلاكهم من الطاقة. لذا نجد أن الانبعاثات التاريخية للدول المتقدمة عالية (كما لاحظنا، أعلى ثماني مرات على أساس معدل الفرد) – كما أن الانبعاثات الحالية لأثرياء العالم، بصرف النظر عن الدولة التي ينتمون إليها، عالية بالمثل.

لكن لاشك أن الهوة في الانبعاثات بين الدول المتقدمة والدول النامية قد تقلصت. إذ أصبح متوسط انبعاثات الفرد في العالم المتقدم الآن أعلى بقليل من ضعف انبعاثات نظيره في الدول النامية. إلا أن الهوة في الانبعاثات بين الأفراد الأغنياء والفقراء، بغض النظر عن الدول التي ينتمون إليها، قد اتسعت، وإن كان بوسع الأغنياء ــ دولاً وأفراداً ــ أن يعتمدوا على ثرواتهم لحماية أنفسهم من الكثير من آثار الاحتباس الحراري.

وكما حدث قبل ذلك مراراً وتكراراً على مر التاريخ، يسعى الأغنياء جاهدين للاحتفاظ بامتيازاتهم. فمن الصعب حقاً أن نتذكر أمثلة في التاريخ لأغنياء تنازلوا عن امتياز من أجل مساعدة الفقراء. وفي المقابل، يزخر التاريخ بأمثلة عديدة لأغنياء حاربوا بشدة للاحتفاظ بامتيازاتهم ــ ومن ذلك مثلاً ما حدث حينما قاد كبار مزارعي القطن في الجنوب الأمريكي جهود الانفصال عن الشمال بغية الإبقاء على العبودية.

والآن تجتمع الدول المتقدمة والدول النامية في باريس، لإثبات الأحقية في ثاني أكسيد الكربون، وأنه لا يزال من الممكن أن يُبقي العالم على الانبعاثات دون السماح بارتفاع متوسط درجة الحرارة في العالم بأكثر من درجتين مئويتين مقارنةً بفترة ما قبل الثورة الصناعية ــ وهو مستوى يعتبره العلماء خطاً أحمر. وتطالب الدول المتقدمة، التي تتمنى الاحتفاظ بنسبة الانبعاثات العالية لكل فرد فيها، بحقوق واضعي اليد في ميزانية الكربون المتبقية.

لقد اقترحت في الجولة الأولى من المائدة المستديرة أن تقلص كلٌ من الولايات المتحدة وكندا استهلاكهما من الطاقة بمقدار 90 بالمئة ــ لإنقاذ الأرض، وإنقاذ دولٍ مثل جزر المالديف من الغرق. ووصفت زميلتاي في المائدة المستديرة "جيني سي ستيفنز" و"إليزابيث جاي ويلسون" مقترحي بأنه جدير بالإشادة لكنه غير عملي. فجزر المالديف بالنسبة للأمريكان أرض بعيدة ومجهولة، لكن هذا في الواقع لا يفسر وجهة نظر زميلتيّ، بدليل أن الهنود الأثرياء، الذين يعيشون بجوار جزر الماليف، يفكرون بنفس الطريقة. لكن التفسير الحقيقي هو أن الأغنياء غير مستعدين للتخلي عن امتيازاتهم.

أوضحت زميلتاي أيضاً، وهما محقتان في ذلك، أنه يجب على العالم الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، وأشادتا بمجموعة من التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية المصاحبة (رغم أنهما لم توضحا تحديداً النتائج المترتبة على هذه التغيرات). لكن رغم أن مصادر الطاقة المتجددة قد تعوق تمدد ظاهرة الاحتباس الحراري قليلاً، فإن التكنولوجيا وحدها لا تستطيع معالجة التغير المناخي بصورة كافية. كذلك لا تستطيع التقنيات المتجددة أن توجد مجتمعات مستدامة وعادلة ــ طالما أن الاقتصاد العالمي يقوم على النمو والاستهلاك غير العادل للموارد الطبيعية.

ما كمية الطاقة وكم عدد الموارد الطبيعية التي يستطيع البشر استخلاصها من الطبيعة دون تدميرها؟ وكيف يمكن توزيع هذه الموارد بصورة عادلة بين كل الناس؟ قد تسهم مواجهة هذين السؤالين بشكل واقعي في مساعدة البشر على إدراك وتفهم حقيقة أنهم جزء من الطبيعة، لا شيء منفصل عنه ــ بل وقد تساعد مثل هذه المواجهة البشر في تحقيق استدامة وعدالة حقيقيتين.



Topics: Climate Change

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]

RELATED POSTS

Receive Email
Updates