The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.

الحد من تغير المناخ والملكية الفكرية في حالة توتر

من أجل معالجة التغير المناخي بشكل فعال على المدى الطويل، يجب على الدول بمختلف أنواعها متابعة استراتيجيات التخفيف والتكيّف. لكن الدول الفقيرة تواجه عقبة محتملة عندما يتعلق الأمر بتقنيات الطاقة النظيفة— حيث إن غالبية الملكية الفكرية المتعلقة بهذه التقنيات توجد في العالم الغني. يجادل العديد من المراقبين بأنه من غير العادل وغير الواقعي توقع نقل هائل للطاقة إلى العالم النامي ما لم يتم إجراء ترخيصات خاصة. لكن حقوق الملكية الفكرية في جزء منها تهدف إلى تحفيز الابتكار ذاته الذي يعتمد عليه الحد من تغير المناخ. فيما يلي، يتناول مؤلفون من الأرجنتين ومصر والولايات المتحدة مناقشة السؤال الآتي: ما حجم العوائق التي يمثلها النظام العالمي لحقوق الملكية الفكرية أمام نمو أنظمة الطاقة منخفضة الكربون في الدول النامية، وكيف يمكن تخفيف تلك الأعباء عن الدول الفقيرة؟

Round 1

تأثير مختَلفٌ عليه— لكن لا يمكن تجاهله

كان حجم العوائق التي تضعها حقوق الملكية الفكرية أمام نشر التقنيات منخفضة الكربون في الدول النامية من بين القضايا الأكثر إثارة للجدل في محادثات المناخ العالمية خلال السنوات الأخيرة. لم يتم التوصل إلى اتفاق حول العناصر الأساسية لهذه القضية، بل إن حتى تحديد مسار نحو حوار بناء يبدو صعبا وغير مؤكد.

بدأ هذا النقاش على الأقل منذ قمة الأرض الأولى في عام 1992 ومازال مستمرا. أسفرت هذه القمة عن خطة عمل للتنمية المستدامة عرفت باسم جدول أعمال القرن 21، والتي تناولت بشكل واسع نقل التقنيات السليمة بيئيا، بما في ذلك دور حقوق الملكية الفكرية. كما تضمن جدول أعمال القرن 21 إشارة إلى استخدام الترخيص الإجباري— وهى آلية تسمح من خلالها الحكومة لطرف ثالث بإنتاج منتج حاصل على براءة اختراع أو استغلال طريقة حاصلة على براءة اختراع دون الحصول على موافقة صاحب البراءة. نجمت هذه اللغة جزئيا عن الصعوبات التي واجهتها بعض الدول النامية في تنفيذ بروتوكول مونتريال لعام 1987 بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون. وعلى وجه الخصوص، كان من المفترض أن يتم التخلص تدريجيا من مركبات الكلوروفلوروكربون بموجب البروتوكول، لكن الممارسات التقييدية من قبل موردي التقنيات في الدول الصناعية جعلت من الصعب على شركات في دولة مثل الهند الحصول على بدائل أخرى.

ونجد حاليا، كما كان سابقا، أن مواقف الاستقطاب هى التي تميز النقاش حول حقوق الملكية الفكرية. فمن جانب، هناك من يعتقد أن حقوق الملكية الفكرية تشكل عائقا أمام نشر التقنيات منخفضة الكربون بأسعار معقولة وعلى نطاق واسع في العالم النامي. ومن جانب آخر، هناك من يعتقد أن حقوق الملكية الفكرية تلعب دورا أساسيا في تشجيع الابتكار وبالتأكيد في نشر التقنيات منخفضة الكربون.

هناك عدد من الدول النامية تتبنى وجهة النظر الأولى. حيث ترى أن تسجيل براءات الاختراع للتقنيات منخفضة الكربون لا تزال تهيمن عليها دول تابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بدرجة كبيرة. وكما هو موثق في تقرير براءات الاختراع والطاقة النظيفة، الذي صدر عام 2010 وشاركتُ في تحريره، فقد قُدمت حوالي 80 في المئة من طلبات براءات الاختراع في مجال تقنيات توليد الطاقة النظيفة من اليابان والولايات المتحدة وألمانيا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة وفرنسا (مع أن هناك عدد من الاقتصادات الناشئة، مثل الصين، توضح وجود تزايد في التخصصات في بعض القطاعات الفردية). بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن تسجيل براءات الاختراع في مجال تقنيات توليد الطاقة النظيفة ارتفع بمعدل سنوي بلغ 20 في المئة من عام 1997 إلى عام 2008. وهذا يعكس زيادة أعداد الملكيات لهذه التقنيات، الأمر الذي قد يجعل نشر هذه التقنيات على نطاق واسع وبأسعار معقولة أكثر تحديا. وفي الوقت نفسه، أظهر عدد من دراسات الحالات أن بعض الشركات من دول مثل الصين والهند والبرازيل يمكن أن تبقى محصورة في المراتب الدنيا من نظم الابتكار وعمليات الإنتاج لأنهم مجبرون على الحصول على التقنيات من حائزي التقنيات من الدرجة الثانية.

نتيجة لذلك، اقترحت الدول النامية مجموعة من التدابير— بعضها أثار أيضا جدلا مماثلا حول إمكانية الحصول على الأدوية— والتي من شأنها تسهيل الوصول إلى التقنيات منخفضة الكربون. وتشمل هذه التدابير التوسع في استخدام الترخيص الإجباري ومرونات أخرى في صكوك الملكية الفكرية الدولية؛ واستبعاد تقنيات تغير المناخ من براءات الاختراع في الدول النامية؛ وتدابير أخرى مثل إنشاء اتحادات لبراءات الاختراع (patent pools) . لكن سنّ بعض هذه التدابير قد يستلزم تغييرات في قواعد الملكية الفكرية العالمية، وخاصة القواعد المرتبطة باتفاقية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية، والتي تحدد المعايير الدنيا التي يجب على جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية الالتزام بها.

لكن العديد من الدول الصناعية ومؤسسات القطاع الخاص عارضت بشدة هذه المقترحات، وكذلك الأسس المنطقية التي تستند إليها. حيث جادلوا بأن حقوق الملكية الفكرية لم تمنع شركات في الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند من أن تصبح في مقدمة اللاعبين العالميين في قطاعات معينة، مثل شركة "صن تيك" في مجال الخلايا الشمسية الكهروضوئية وشركة "سوزلون" الهندية في مجال طاقة الرياح. كما أوضحوا أيضا أن هناك دراسات حديثة تشير إلى أن عددا قليلا نسبيا من طلبات براءات الاختراع تم تقديمها حتى في أشد الدول فقرا. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت عام 2013 أن طلبات براءات الاختراع المتعلقة بتقنيات الطاقة النظيفة التي قدمت في إفريقيا في الفترة ما بين 1980-2009 كانت أقل من 1٪ من إجمالي براءات الاختراع العالمية. وبالتالي خلص التقرير إلى أن براءات الاختراع لا تمثل عائقا كبيرا أمام نقل تقنيات الطاقة النظيفة إلى الدول الأفريقية.

باعتبار كل ما سبق، فإن تأثير حقوق الملكية الفكرية على التقنيات منخفضة الكربون في الدول النامية معقد ويصعب قياسه كميا على السواء. إن التأثيرات غالبا ما تختلف من تقنية إلى أخرى، ويصعب في كثير من الأحيان عزلها عن مجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية والمؤسسية الأخرى. كما أن التنوع الاستثنائي لتقنيات تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف يجعل من الصعب التوصل إلى نتائج قاطعة؛ إذ ينبغي على المرء دراسة تقنيات وقطاعات ودول وحالات معينة. إن الأدلة التجريبية، المحدودة إلى حد ما، لا تزال مستجدة وقد ركزت في معظمها على تقنيات التخفيف من آثار تغير المناخ وعلى عدد قليل من الدول النامية— على الاقتصادات الناشئة على وجه الخصوص. كما أن وضع السوق ذاته يتطور بسرعة.

إن المطلوب حاليا، إلى أن تتضح الأمور أكثر، هو عمل نقاش منظم ومتدرج وبنّاء حول هذه القضايا. إذ يمكن أن يبدأ النقاش بدراسة مبادرات وتدابير عملية التي قد تشجع على نشر التقنيات منخفضة الكربون في الدول النامية. ويمكن أن ينتقل النقاش في النهاية إلى مناقشات أكثر إثارة للجدل بشأن وضع المعايير— وما إذا كانت الأدلة التجريبية تدعو إلى دراسة إجراء تغييرات محتملة للقواعد العالمية التي تحكم الملكية الفكرية، وهو إجراء يبدو بعيد الاحتمال في الوقت الراهن.

هناك تدابير فورية أخرى جديرة بالدراسة وتشمل تحسين إتاحة المعلومات المتعلقة ببراءات الاختراع للتقنيات منخفضة الكربون— وهى قضية يعمل عليها حاليا المكتب الأوروبي للبراءات. الشراكات بين القطاعين العام والخاص تبشر أيضا بالخير. على سبيل المثال، أطلقت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) منصة سوق تفاعلية تعرف باسم "ويبو جرين" والتي "تشجع الابتكار ونشر التقنيات الخضراء".

لقد ركز تقرير نشر مؤخرا من قبل اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ بوجه خاص على إنشاء اتحادات لبراءات الاختراع (patent pools) ، والتي يمكن أن تضمن الحصول على تقنيات للبيئية والقضاء على تكاليف وصعوبات الدخول في اتفاقات قانونية مع أصحاب براءات الاختراع المتعددين. ويدعو التقرير إلى تطوير اتحادات براءات الاختراع للتقنيات منخفضة الكربون— كما يدعو المؤسسات لتوفير الدعم للدول الفقيرة لضمان حصولها على هذه التقنيات. وفي سياق مماثل، اقترحت الدول النامية أن يقوم صندوق المناخ الأخضر الجديد التابع للأمم المتحدة بتغطية تكاليف الدول النامية للحصول على تقنيات منخفضة الكربون إذا كانت تكاليف الترخيص مرتفعة جدا.

أخيرا، ينبغي أن يُنظر إلى حقوق الملكية الفكرية في سياق واسع من السياسات الملائمة والمؤسسات المناسبة والموارد التي تشجيع على ابتكار تقنيات منخفضة الكربون وكذلك ضمان نشر منافعها على نطاق واسع. لكن يجب ألا يتم المغالاة في أهمية حقوق الملكية الفكرية أو التقليل من شأنها. إن الأمر المؤكد هو أن حقوق الملكية الفكرية لا يمكن تجاهلها. لكن مناقشة هذه القضايا يجب أن تتم بصورة منظمة وتدريجية. ويجب أن تركز على التدابير والمبادرات العملية. كما يجب أن تعتمد على أدلة تجريبية وحالات ملموسة. بخلاف ذلك، سيظل التوصل إلى اتفاق حول التقنيات منخفضة الكربون وحقوق الملكية الفكرية أمرا صعب التحقيق، سواء في منظمة التجارة العالمية أو اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.  

هناك مشكلة— لكنها ليست من دون حلول

براءات الاختراع وغيرها من أشكال الملكية الفكرية هي في قلب معركة طويلة ومتعددة الأوجه للحصول على الأدوية بأسعار معقولة. في الوقت الحالي وبينما يحول المجتمع الدولي اهتمامه بشكل متزايد نحو تغير المناخ، يبرز تساؤل مهم حول ما إذا كانت الملكية الفكرية تمثل عقبة حقيقية أمام الدول منخفضة ومتوسطة الدخل في سعيها للحصول على التقنيات اللازمة للحد من انبعاثات الكربون أو التخفيف من آثار تغير المناخ.

إن الابتكار أمر بالغ الأهمية لتنمية موارد الطاقة البديلة وتقنيات تخفيف آثار المناخ. وتمنح براءة الاختراع، التي تعد أحد أشكال الملكية الفكرية المرتبطة بشكل وثيق بالابتكار، المخترع حقا حصريا عادة لمدة 20 عاما لمنع الآخرين من صنع أو استخدام منتجه أو عمليته الحاصلة على براءة اختراع. غير أنه لا ينبغي التغاضي عن الأشكال الأخرى للملكية الفكرية من حيث قدرتها على الحد من الوصول إلى مصادر الطاقة البديلة وتقنيات التخفيف. على سبيل المثال، تستخدم حقوق التأليف والنشر لحماية برامج الكمبيوتر. وقانون الأسرار التجارية يحمي المعلومات، بما في ذلك عمليات الإنتاج. كما أن الأشكال المختلفة لحماية الأصناف النباتية يمكنها أن تقييد الوصول إلى الموارد البيولوجية.

يمكن أن تؤثر براءات الاختراع سلبا على الحصول على الأدوية، وخاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. فقد قيدت براءات الاختراع المنافسة عندما تم إدخال علاجات مضادات الفيروسات الرجعية لفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز في فترة التسعينات. لم تكن هناك بدائل فعالة متاحة وتمتع أصحاب براءات الاختراع بسلطة مطلقة تقريبا على السوق. شركات الأدوية صاحبة الابتكار استطاعت المحافظة على أسعار عالية جدا بالنسبة للمنتجات التي كانت تكاليف إنتاجها بسيطة. لم يتم تقديم شبكة أمان لعدد كبير من الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في الدول النامية الذين لم يستطعوا تحمل تكاليف العلاج.

لكن مصادر الطاقة البديلة وتقنيات التخفيف تختلف عن الأدوية التي حققت طفرات هائلة من عدة نواحي رئيسية، إضافة إلى أن تأثير براءات الاختراع في كلا المجالين قد يختلف كذلك. أولا، الطاقة سواء كانت في شكل كهرباء أو حرارة يمكن استبدالها. وينطبق الأمر نفسه على الكهرباء، من الناحية التشغيلية، سواء تم توليدها باستخدام توربينات الغاز أوالفحم أومحطات الطاقة النووية أوالألواح الشمسية أو توربينات طاقة الرياح— لذلك فإن منتجي الطاقة مقيدون فيما يتعلق بالأسعار بالتقنيات الجديدة. يمكن أن تمثل التقنيات القديمة بديلا آخر لمصادر الطاقة البديلة، على الرغم من أن تكاليفها الخارجية قد تكون أعلى من حيث الضرر البيئي.

ثانيا، في حين أنه ليس من المتصور أن شخصا ما سوف يبتكر أو يكتشف مصدرا جديدا تماما للطاقة— على سبيل المثال أشعة الطاقة الصادرة من البعد التاسع— يبدو من المرجح أن الابتكار في موارد الطاقة البديلة سيكون أمرا إضافيا. تمثل توربينات الرياح لتوليد الطاقة المستخدمة حاليا سلسلة من التحسينات الإضافية لطواحين الهواء المستخدمة في العصور الوسطى. وبينما تقوم الدول منخفضة ومتوسطة الدخل بمعالجة تغير المناخ، فإنها قد لا تحتاج دائما إلى أحدث الإضافات التقنية. من المرجح أن تظهر أسواق للأسعار التنافسية لتقنيات بديلة مقبولة ولكنها قديمة بعض الشئ. في النهاية، فإن أصحاب براءات الاختراع لموارد الطاقة البديلة وتقنيات التخفيف قد يكون لهم سلطة أقل على الأسواق مقارنة بأصحاب الطفرات في العلاجات الدوائية.

التغلب على العقبات. في بدايات النقاش حول تغير المناخ ونقل التقنيات والملكية الفكرية، أدرك الخبراء وجود حاجة لإجراء تقييمات تجريبية للتحديد بصورة دقيقة كيف يمكن لبراءات الاختراع، على وجه الخصوص، أن تقيد بدون مبرر حصول الدول منخفضة ومتوسطة الدخل على التقنيات. جميع الدراسات التي تم إجراؤها في هذا الصدد حتى الآن خلصت إلى نتائج متواضعة إلى حد ما. كما أكدت أن معظم البراءات الممنوحة في مجال موارد الطاقة البديلة وتقنيات التخفيف مملوكة لشركات تعمل في دول ذات دخل مرتفع، ويأتي في مقدمتها الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية (على الرغم من أن هناك تزايد في حصول شركات صينية وهندية على براءات اختراع في جوانب قليلة من أنشطتها). لكن حتى الآن، لم تقم الشركات في العالم النامي سوى بإطلاق إدعاءات أحادية بأن جهودها لاستخدام تقنيات للتخفيف من آثار تغير المناخ يتم عرقلتها من قبل براءات الاختراع التي يملكها العالم المتقدم. ومع ذلك، فمن المعقول أن نفترض أنه عند السير قدما في هذا الصدد، سوف تواجه الدول منخفضة ومتوسطة الدخل عقبات إضافية تتعلق ببراءات الاختراع وأنواع  أخرى من الملكية الفكرية.

كيف يمكن التغلب على هذه العقبات؟ بداية، هذا السؤال ليس وليد اليوم. فقد قامت الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وكذلك المنظمات غير الحكومية وآخرون من أصحاب المصالح بالمشاركة في حوارات حول نقل التقنيات على مدى سنوات عديدة. وقد أصدرت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية قرارات بشأن هذه القضية منذ منتصف فترة التسعينات. وفي عام 2010، وتحت رعاية برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تم إنشاء مركز وشبكة تكنولوجيا المناخ، الذي يوفر المساعدة التقنية ويتيح تبادل المعلومات الفنية. ومع أن عمل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لا يحل مشكلة نقل التقنيات، إلا إنه يؤكد أن المجتمع الدولي قد حدد المشكلة.

بجانب هذا المنتدى، تتيح القواعد التي تحكم نظام الملكية الفكرية الدولي للدول منخفضة ومتوسطة الدخل بعض المرونة لتجاهل براءات الاختراع عندما ترى حكوماتها أن مثل هذه الخطوات ملائمة. إذ يُسمح لهذه الدول إصدار "تراخيص إجبارية" فيما يتعلق ببراءة اختراع، مما يسمح للشركات الخاصة الاستفادة من هذه البراءات مقابل دفع بعض الرسوم المالية. يمكن للدول أيضا إصدار تراخيص "للاستخدام الحكومي"، مما يسمح للحكومات القيام بالشيء نفسه. لكن رد الفعل السياسي المحتمل من الدول ذات الدخل المرتفع يمنع الدول الفقيرة من استخدام هذه الآليات، كما أن وجود مخاصمات سياسية يمكن أن تؤدي إلى عواقب ملموسة. لكن، لنكون واضحين، فإن القواعد الدولية تسمح باستخدام هذه الآليات.

وعلى أية حال، توجد "مسارات وسطى" قد تسمح للدول الفقيرة الحصول على موارد بديلة للطاقة وتقنيات التخفيف دون اللجوء إلى التراخيص الإجبارية. أحد هذه المسارات الوسطى المرشحة هى المشاريع المشتركة بين الشركات في الدول المتقدمة والنامية. إذ يمكن للحكومات في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تسهيل المشاريع المشتركة من خلال إنشاء أطر سياسية قانونية وصناعية التي تجعل الاستثمار جاذبا للشركات في الدول مرتفعة الدخل، في حين تتخذ خطوات لحماية المستخدمين النهائيين للتقنيات (بما في ذلك المستهلكين). ويمكن أن توفر الحكومات فرصا تجارية ودعما لكل من الصناعات المحلية والتقنيين. وبتشجيع من الحكومات في كل من الدول المتقدمة والنامية، قد يكون هذا النهج في صالح للجميع.

غير أنه هناك خيارات أخرى بالتأكيد. في مجال الأدوية، لاقت الاتحادات الطوعية لبراءات الاختراع من أجل تحسين وصول الأدوية إلى الدول الأكثر فقرا رواجا كبيرا—على سبيل المثال، من خلال اتحاد براءات اختراع الأدوية الذي تدعمه الامم المتحدة. كما لاقت التراخيص الطوعية المباشرة رواجا كذلك. هناك مسار آخر يتمثل في عقد شراكات لتطوير المنتجات، والتي تستفيد من التقنيات التي طورتها شركات في الدول ذات الدخل المرتفع لإجراء بحوث في مجال الأمراض التي تصيب في الغالب الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. كما ظهرت مجموعة متنوعة من المقترحات لإنشاء صناديق للبحث والتطوير تقوم بشراء التقنيات من الدول ذات الدخل المرتفع ثم تقوم بمشاركتها على الصعيد العالمي. كل فكرة من هذه الأفكار الأساسية يمكن تعديلها لتعزيز نقل التقنيات في مجال تغير المناخ.

في الوقت نفسه، من المهم أن ندرك أن براءات الاختراع  والأشكال الأخرى من الملكية الفكرية ليست هي العوامل الوحيدة التي تعيق الحصول على التقنيات الجديدة واستخدامها في الدول الأكثر فقرا. هناك اتجاه، في البيئات قليلة الموارد، نحو تقييد الملكية والسيطرة على المرافق الأساسية مثل توليد الكهرباء والمؤن الاحتياطية. قد يكون اللاعبون الاقتصاديون الراسخون غير متحمسين لتقديم حلول جديدة صديقة للبيئة لتحديات الطاقة. لذا في النهاية، فإن إدخال تقنيات صديقة للمناخ في العالم النامي ليست مجرد مسألة تتعلق بالتغلب على العوائق التي تفرضها الملكية الفكرية.

عبء حقوق الملكية الفكرية

يتطلب التوسع في أنظمة الطاقة منخفضة الكربون في الدول النامية نشر التقنيات ذات الصلة في التوقيت المناسب. غير أن نسبة كبيرة من هذه التقنيات، وبخاصة الأكثر كفاءة وحداثة منها، تخضع لحقوق الملكية الفكرية— لا سيما لبراءات الاختراع الخاصة. وهذا يعني أنه، من حيث المبدأ، لا يمكن استخدام التقنيات المحمية إلا إذا وافق أصحاب الحقوق على نقلها، ويكون ذلك خاضعا إما لدفع عوائد أو رسوم وإما لممارسات تقييدية تعاقدية مثل قيود التصدير في أغلب الأحيان.

يجادل المدافعون عن حقوق الملكية الفكرية بأن براءات الاختراع لا تخلق عائقا أمام اعتماد أنظمة الطاقة منخفضة الكربون في الدول النامية بسبب وجود العديد من الموردين المحتملين لهذه التقنيات— وأن براءات الاختراع تعطي حافزا قويا لتطوير تقنيات جديدة. هذه الحجة تغفل بعض الحقائق الرئيسية. أولا، تأثير حوافز براءات الاختراع يعتمد بقوة على السياق؛ إذ إن براءات الاختراع لا تشجع على الابتكار في الدول التي تكون قاعدتها الصناعية أو التقنية ضعيفة. ونتيجة لذلك، نجد أن الشركات العاملة في الدول المتقدمة تمتلك الأغلبية الساحقة من براءات الاختراع المتعلقة بتقنيات الطاقة منخفضة الكربون. ثانيا، ومن منظور سياسي، فإنه لا ينبغي أن يكون الهدف من نظام الحوافز هو مجرد تشجيع الابتكار، لكن أيضا ضمان أن تكون التقنيات الجديدة متاحة لجميع الدول. وتتضح حقيقة ذلك بشكل خاص عند الحاجة إلى معالجة تحديات عالمية مثل تغير المناخ. وعندما يتردد أصحاب الحقوق في نقل تقنياتهم الخاصة—غالبا لأنهم يخشون من تمكين منافسيهم المحتملين، حينها يفشل نظام الحوافز في ضمان إمكانية الوصول لتلك التقنيات.

ثالثا، قد يكون الأمر أن هناك قطاعات معينة من أنظمة الطاقة منخفضة الكربون تتسم بإمدادات متنوعة من التقنيات. لكن في الوقت نفسه، انتشرت براءات الاختراع بشكل كبير في السنوات الأخيرة؛ فهناك العديد من براءات الاختراع تغطي التطورات البسيطة أو التافهة وربما تم استخدامها لمنع الابتكار الحقيقي والمنافسة. على سبيل المثال، خلصت دراسة— أجريت عام 2010 على عديد من المجالات ضمن نطاق التقنيات السليمة بيئيا بما في ذلك الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الحرارية الأرضية وطاقة الرياح واحتجاز الكربون— إلى أن طلبات براءات الاختراع التي تم تقديمها في هذا الصدد بلغت حوالي 400 ألف طلب على مستوى العالم. كما قدّرت دراسة أخرى أنه تم تقديم حوالي 215 ألف طلب براءة اختراع كان تركيزها الرئيسي على تطبيقات الطاقة المتجددة في الفترة ما بين 1998 و2008 على مستوى العالم.

إن أحد مظاهر الانتشار الهائل لبراءات الاختراع هو "غابة براءات الاختراع". ويشير هذا المصطلح إلى الحالة التي تكون فيها مجموعة من براءات الاختراع— والتي قد تصل إلى الآلاف في بعض الأحيان— حول تقنية معينة مملوكة لصاحب حق واحد أو عدد من أصحاب الحقوق. ويرجع انتشار هذا النوع لسببين. أولا، تستخدم بعض الشركات استراتيجيات براءات الاختراع التي تهدف إلى الحد من المنافسة. ثانيا، في بعض الأحيان تطبق مكاتب براءات الاختراع معايير متساهلة حيث تكتفي فقط بإجراء تحليل سطحي عندما تقوم بتقييم ما إذا كان الاختراع المقدّم مستوفيا لمتطلبات الإبداع والإبتكار والتطبيق الصناعي.

يجادل المدافعون عن حقوق الملكية الفكرية أيضا بأنه نادرا ما يتم تقديم أو منح براءات اختراع تتعلق بالتقنيات السليمة بيئيا في الدول النامية الأكثر فقرا. وبالتالي، لن تمثل براءات الاختراع أي عائق أمام حصول هذه الدول على تلك التقنيات. في الواقع، أشارت دراسة أجراها برنامج البيئة للأمم المتحدة ومكتب براءات الاختراع الأوروبي عام 2013 إلى أن 1٪ فقط من طلبات براءات الاختراع المتعلقة بالطاقة النظيفة على مستوى العالم تم تقديمها في أفريقيا. يبدو أن هذا يقوض المزاعم القائلة بأن حقوق براءات الاختراع تمثل عائقا أمام الحصول على التقنيات. المشكلة في هذا المنطق هو أنه يجب على الدول الأفريقية، بقدراتها التصنيعية والتقنية الضعيفة، أن تعتمد على ما يتم انتاجه في مناطق أخرى. فإذا منع أصحاب براءات الاختراع إنتاج معدات منخفضة التكلفة في دول مثل الصين والهند— حيث تقدم طلبات براءات الاختراع بشكل فعال خلافا لما يحدث في أفريقيا— قد تصبح الدول الأشد فقرا غير قادرة بأي حال على الحصول على التقنيات التي تحتاجها.

لذا من أجل تخفيف الأعباء التي يضعها نظام الملكية الفكرية العالمي أمام الدول النامية، تستطيع الحكومات في كل من الدول المتقدمة والنامية أن تعزز الابتكار خارج هذا النظام— في الواقع، يمكنها أن تدعم تطوير التقنيات من أجل الصالح العام. تستطيع الحكومات أيضا أن تقلل من انتشار براءات الاختراع من خلال تطبيق معايير أكثر صرامة بشأن تقييم طلبات براءات الاختراع. وأخيرا، يمكنها منح تراخيص إجبارية— أي أنه يمكنها أن تأذن لأطراف ثالثة باستخدام تقنية حاصلة على براءة اختراع شريطة قيامهم بدفع تعويض لصاحب الحق.

من الممكن أن يتم منح التراخيص الإجبارية—المسموح بها صراحة بموجب القانون الدولي— لأي سبب تقتضيه المصلحة العامة، بما في ذلك عندما يرفض صاحب الحق الترخيص طوعا باستخدام تقنية معينة بشروط تجارية معقولة أو عندما يرفض استغلال براءة الاختراع في الدولة التي منحته تلك البراءة. في الولايات المتحدة، تخضع آلاف من براءات الاختراع للتراخيص الإجبارية من أجل معالجة الممارسات الاحتكارية أو من أجل استخدام الحكومة أو من تتعامل معهم من المقاولين الفرعيين. يجب على الدول النامية، أينما رأت ذلك مناسبا، استخدام التراخيص الإجبارية لضمان الحصول على احتياجاتها من التقنيات منخفضة الكربون.

Round 2

لا يوجد حل سحري

من أجل دعم حجته بأن "براءات الاختراع … تخلق عائقا أمام اعتماد أنظمة الطاقة منخفضة الكربون في الدول النامية"، قدم كارلوس كورّيا عددا من المعلومات التي، في رأيي، لا تروي القصة بأكملها حول العلاقة بين حقوق الملكية الفكرية وتقنيات الطاقة النظيفة.

لاحظ كورّيا في مقاله الأول، على سبيل المثال، أن "الشركات العاملة في الدول المتقدمة تمتلك الأغلبية الساحقة من براءات الاختراع المتعلقة بتقنيات الطاقة منخفضة الكربون." وهذا صحيح. لكن هذه الظاهرة ليست خاصة بالطاقة منخفضة الكربون. إذ إن الوضع نفسه منتشر في العديد من القطاعات التقنية— حتى مع الأخذ في الاعتبار العدد المتزايد من براءات الاختراع التي تملكها الشركات في بعض الاقتصادات الناشئة، وخاصة الصين.

كذلك لاحظ كورّيا في مقاله الأول أن براءات الاختراع المرتبطة بنظم الطاقة منخفضة الكربون قد انتشرت كثيرا في السنوات الأخيرة. وهذا صحيح أيضا، لكن هذا الانتشار يعكس فقط أن هناك ارتفاع عالمي واسع النطاق في طلبات براءات الاختراع قد حدث في جميع مجالات التقنية على مدى العقدين الماضيين.

إن الاتجاهات العالمية لملكيات براءات الاختراع في حد ذاتها لا تمثل بصورة تلقائية أو نظامية عوائق أمام نشر التقنيات منخفضة الكربون. كما أن الطلبات المتزايدة لبراءات الاختراع لا تمثل تلقائيا عوائق كذلك. إذ إن نفس الأنماط التي تميز براءات اختراعات الطاقة النظيفة منتشرة أيضا في مجالات مثل تقنيات المعلومات والاتصالات، غير أنه لم يتم منع نشر هذه التقنيات.

إضافة إلى ذلك، حدد كورّيا "تركيز براءات الاختراع" (Patent thickets) كأحد العوائق أمام نشر تقنيات الطاقة النظيفة، لكن على ما يبدو ليس هناك حالات موثقة جيدا تشير إلى أن تركيز براءات الاختراع حالت دون الحصول على التقنيات الخضراء أو نشرها. وأخيرا، ذكر كورّيا أنه "في الولايات المتحدة، تخضع آلاف من براءات الاختراع للتراخيص الإجبارية من أجل معالجة الممارسات الاحتكارية أو من أجل استخدام الحكومة أو من تتعامل معهم من المقاولين الفرعيين". وفي هذا الصدد، يجدر بالذكر أن الولايات المتحدة هي واحدة من الدول القليلة التي لديها تشريعا—قانون الهواء النظيف— الذي يحتوي في الحقيقة على نص للتراخيص الإجبارية لفئة من فئات تقنيات الطاقة النظيفة. لكن ينبغي الإشارة أيضا إلى أنه لم يتم تقديم أي طلبات للحصول على تراخيص إجبارية بموجب هذا القانون حتى الآن، كما لم يتم منح أي تراخيص أيضا.

ومع ذلك، كان كورّيا محقاً عندما جادل في مقاله الثاني بأنه ينبغي على الدول، سواء في منظمة التجارة العالمية أو في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أن تكون راغبة في المشاركة في مناقشات بنّاءة حول حقوق الملكية الفكرية ونقل تقنيات الطاقة منخفضة الكربون. ويجب على الدول المتقدمة ألا ترفض ببساطة المشاركة في مثل هذه المناقشات أو تنفي حتى وجود مشكلة. لكن من المهم أيضا بالنسبة للدول النامية ألا تقوم بقلب الأمور. فإن ابتداء المناقشات بمقترحات لإجراء تغييرات جذرية للقواعد التي تحكم حقوق الملكية الفكرية العالمية لن تؤدي بالضرورة إلى تقدم هذه المناقشات، بل ربما صبّ ذلك في مصلحة الذين يدافعون عن الوضع الراهن.

لقد أكد كل من كورّيا وفريدريك أبوت على مدى أهمية التحدي المناخي وضرورته الملحة. وأنا أتفق تماما مع رأيهما. فلا يستطيع أحد أن يتجاهل التحدي الذي يشكله تغير المناخ أو أن يظل غير مكترث به أو أن يدافع عن الوضع الراهن— وهذا ينطبق على نظام الملكية الفكرية. لكن تقنيات الطاقة منخفضة الكربون متنوعة للغاية. كما أن الظروف تختلف اختلافا كبيرا من دولة إلى أخرى ومن قطاع اقتصادي إلى آخر. ويشير هذا التنوع إلى أنه ينبغي دراسة مجموعة واسعة من الخيارات والتدابير لمعالجة الروابط بين الملكية الفكرية وتغير المناخ، لكن لا يوجد "حل سحري" لمعالجة كل هذه القضايا. لا يمكن معالجة المشاكل التي تحيط بالملكية الفكرية والمناخ إلا من خلال طريقة تدريجية تصاعدية مبنية على الأدلة التجريبية حول حصول دول وقطاعات اقتصادية معينة على تقنيات الطاقة النظيفة. وفي هذا الاتجاه، تكمن فرصة للحوار البنّاء.

تجميع رأس المال ومعالجة تغير المناخ

أبرز كارلوس كورّيا في مقاله الثاني أن هناك مقاومة حازمة من جانب الدول المتقدمة ومصالحها الصناعية تجاه مناقشة قضايا الملكية الفكرية والتقنيات المتعلقة بتغير المناخ في المحافل متعددة الأطراف. وتبدو أسباب هذه المقاومة واضحة تماما—إذ تسعى هذه الدول والصناعات لإحباط المناقشات المثيرة للخلاف مثل تلك التي تحيط بالعلاقة بين الملكية الفكرية والحصول على الأدوية. تخشى الدول المتقدمة وصناعاتها من أن هذه المفاوضات سوف تؤدي إلى إضعاف حماية براءات الاختراع (وغيرها من أشكال الملكية الفكرية) والتي من شأنها أن تقلل من تدفق العائدات المستقبلية.

عندما طرحت لأول مرة الملكية الفكرية وتغير المناخ كموضوع للمناقشة، كنتُ من بين الذين أكدوا على أهمية جمع الأدلة التجريبية حول التأثير الحقيقي والمحتمل للملكية الفكرية على نشر الطاقة النظيفة، وذلك قبل بداية أي حوار يهدف إلى تعديل قواعد التجارة. كانت القضية، وستظل، بالنسبة لي هى كيف يمكن استخدام الوقت والطاقة بالطريقة المثلى في البحث عن حلول للمشاكل التي يشكلها تغير المناخ. من الناحية النظرية، فإن كورّيا محق بأنه يمكن أن تمثل الملكية الفكرية حاجزا أمام حصول الدول النامية على التقنيات المتعلقة بتغير المناخ. لكن مع الأخذ في الاعتبار أن الاتفاقية المتعلقة بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية تتيح بالفعل للدول النامية مرونة كبيرة بشأن براءات الاختراع، فمتى تصبح المفاوضات بشأن إجراء قواعد مختلفة ضرورية أو مرغوبة؟

إحدى القضايا الهامة التي ينبغي أن نضعها في الاعتبار عند الإجابة على هذا السؤال هى أن حقوق الملكية الفكرية مرتبطة بالكيفية التي سيتم بها تجميع رأس المال لمكافحة تغير المناخ. على سبيل المثال، يلعب الدعم الحكومي دورا هاما في تشجيع الابتكار— وعندما تقدم الحكومات التمويل اللازم للأبحاث والتطوير، يجب طمأنة الجمهور بالحصول على الفوائد الناجمة عن ذلك. لكن هل يجب أن ينتج عن البحث والتطوير الممول من قبل الجمهور في دولة ما حصول دول أخرى على فوائد هذه التقنية "مجانا"، بغض النظر عن موقعها في سلسلة التنمية؟ وكيف ينبغي تقسيم تكاليف البحث والتطوير على الدول بإنصاف؟

الحقيقة هى أن مختلف مجالات التجارب—من المنتجات الصحية إلى الهواتف الذكية ومن الأجهزة التلفزيونية عالية الوضوح إلى موارد الطاقة البديلة—تتنافس مع بعضها البعض للاستثمار في رأس المال. قد يأتي رأس المال من أية مصادر عامة أو خاصة. وتتوافر مخزونات كبيرة من رأس المال الخاص في الدول ذات الدخل المرتفع، لكن يتم استثمارها على أساس توقعات العائدات المالية.

تقوم براءات الاختراع بوظيفة "التوريق"، أو السماح بالشراء والبيع، للتطورات التقنية. فهى توفر وسيلة قانونية يمكن للمستثمرين من خلالها المساهمة برأس المال إما لتطوير تقنيات جديدة أو لنشر تقنيات تم تطويرها بالفعل. وفي المشاريع التقنية، تشجع براءات الاختراع على تجميع رأس المال.

تنفيذ مشاريع واسعة النطاق في البنية التحتية للطاقة، سواء في الدول المتقدمة أو النامية، هو عادة نشاط كثيف رأس المال. وبتعبيرغير تقني، أى إنه يكلف الكثير. إن معظم الدول النامية التي تسعى لتنفيذ التحول إلى تقنيات صديقة للمناخ لتوليد الطاقة سوف تضطر، كإجراء عملي، إلى استيراد رأس المال. يمكن أن تكون هذه الأموال إما عامة أو خاصة، وربما يتم توفير التمويل الكافي لإتمام مثل هذه التحولات من قبل البنك الدولي أو بعض الكيانات الأخرى. لكن التاريخ يشير إلى وجود بعض الشكوك تجاه فكرة أن التمويل العام العالمي سوف يعالج تغير المناخ بشكل ملائم. في الواقع، أنا أميل إلى الاعتقاد بأن استثمارات القطاع الخاص أمر ضروري. لكن الاتجاه الذي اتخذته استثمارات القطاع الخاص يعتمد على الحوافز. تتيح براءات الاختراع عائدات أعلى من سعر السوق وبالتالي فهي وسيلة لجذب الاستثمارات إلى تقنيات أو قطاعات معينة.

لقد أيدتُ في مقالي الأول اتباع "مسارات وسطى" قد "تسمح للدول الفقيرة الحصول على موارد بديلة للطاقة وتقنيات التخفيف دون اللجوء إلى التراخيص الإجبارية". أي أنه يجب الجمع بين موارد الشركات في الدول المتقدمة والنامية. وينبغي أن تسهل السياسات الحكومية المشاريع المشتركة التي من شأنها أن تسمح للشركات في الدول النامية بالحصول على أسهم رأس المال— بما في ذلك التقنيات— من الشركات في الدول المتقدمة. وبينما تتم معالجة مشكلة تغير المناخ الملحة، فقد يمثل ذلك أفضل استخدام جمعي للوقت والطاقة.

إن براءات الاختراع هي أداة من أدوات السياسة الصناعية. وهي بطبيعتها ليست جيدة أو سيئة. لكن لا ينبغي أن تُستخدم براءات الاختراع بطريقة غير منظمة— إذ يجب الدفاع عن المصلحة العامة. إن إحدى الصعوبات الرئيسية في نظام براءات الاختراع هى أن أنصار الحماية القوية لبراءات الاختراع غالبا يصورون براءات الاختراع على أنها حق من حقوق الملكية التي لا يمكن المساس بها. لكن جميع أنواع الملكية تكون منظمة. وبراءات الاختراع، والمنتجات أو الخدمات التي تنتج عنها، ليست استثناء منها.

المشكلة حقيقية

شارك كل من فريدريك أبوت وأحمد عبد اللطيف بمقالات مدروسة جيدا في الجولة الأولى من هذه المائدة المستديرة. حيث ركز عبد اللطيف على فكرة أنه يجب أن تكون المناقشات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية وتغير المناخ "منظمة وتدريجية". بينما أكد أبوت على "مسارات وسطى" والتي قد "تسمح للدول الفقيرة بالحصول على موارد بديلة للطاقة وتقنيات التخفيف دون اللجوء إلى التراخيص الإجبارية". لكن على الرغم من نهجىّ المؤلفين المدروسين جيدا، فإن مقالاتهما تؤكد على حقيقة أن حقوق الملكية الفكرية تمثل مشكلة بالنسبة للدول النامية التي تسعى للحصول على تقنيات الطاقة منخفضة الكربون.  

وكما ذكر عبد اللطيف، فقد تم تحديد المشكلة منذ زمن طويل— في جدول أعمال القرن 21، وهى خطة عمل للتنمية المستدامة تم اعتمادها في قمة الأرض الأولى في عام 1992. لكن في عام 1994، وكأحد نتائج المفاوضات التجارية واسعة النطاق، نجحت الدول المتقدمة في أن تفرض على الدول النامية معاهدة دولية (الاتفاقية المتعلقة بالجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية أو "تريبس") والتي تنص على المعايير الدنيا لحماية الملكية الفكرية— والتي تشمل الالتزام بمنح براءات الاختراع في جميع مجالات التقنية. بعد ذلك بعامين، اقترحت الحكومة الهندية إجراء تغييرات جوهرية في تلك المعاهدة من أجل تعزيز نقل التقنيات السليمة بيئيا. وفي الآونة الأخيرة، اقترحت الإكوادور عمل استثناء من حماية براءات الاختراع، على أساس كل حالة على حدة، للاختراعات التي يمكن أن يكون نشرها أمرا حيويا من أجل التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره. كما اقترحت الإكوادور أيضا أن يتم، في حالات معينة، تقليل مدة حماية براءات الاختراع لمثل هذه الاختراعات. إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء ملموس في منظمة التجارة العالمية لمعالجة القضايا التي تدعم هذه المقترحات.

أثارت الدول النامية أيضا حقوق الملكية الفكرية في المفاوضات التي أجريت في ظل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ولا سيما في مؤتمر كانكون للتغير المناخي، الذي عقد في المكسيك عام 2010. غير أن الدول المتقدمة قاومت بشدة جميع المقترحات التي أشارت إلى هذه الحقوق. وهذا ينطبق أيضا على التوصيات المحايدة المتعلقة بالحقوق، وهى صريحة في اتفاق تريبس، للاستفادة من "المرونات" مثل الترخيص الإلزامي. وقد ذكر أبوت بشكل صحيح أن جميع الدول لديها الحق في تجاهل براءات الاختراع من خلال إصدار تراخيص إجبارية عند الحاجة إلى ذلك. لكن الدول المتقدمة تقاوم بشدة الاعتراف بذلك.

ليس من المفيد للدول المتقدمة أن تبدي عدم رغبتها في معالجة القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية وتغير المناخ في المحافل الدولية (سواء في منظمة التجارة العالمية أو اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية). إذ إن الرسالة التي تفهم من عدم رغبتها هذه هى أن الوضع الراهن المتلعق بالملكية الفكرية ليس قابلا للنقاش وأن المخاوف المشروعة للدول النامية لا تستحق حتى المناقشة. إن الدول المتقدمة تنفي وجود مشكلة من الأساس. لكن المشكلة موجودة بالفعل— طالما أن نظام التملك الخاص بالابتكارات قد يرجئ لمدة 20 عاما ( وهى المدة العادية لبراءة الاختراع) إدخال تقنيات جديدة في الدول النامية (التي تمثل غالبية دول العالم).

إن تغير المناخ هو أحد أكبر التحديات التي تواجهها الإنسانية ويتطلب التصدي له بناء رؤية طويلة الأمد ترتكز على المساواة والتضامن. ولا يمكن لأي مجتمع دولي مسؤول أن يتجنب ببساطة المشاكل التي تحيط بحقوق الملكية الفكرية وتغير المناخ؛ لكن بدلا من ذلك، ينبغي على الدول أن تشجع إجراء مناقشات جادة لهذه القضايا وأن تتأكد من إشراك جميع أصحاب المصلحة في هذه المناقشات، ولا سيما العلماء والمجتمع المدني.

Round 3

دعونا نسمح بانتشار آلاف التقنيات

أكد كارلوس كورّيا في مقاله الثالث بهذه المائدة المستديرة على اعتقاده بأن براءات الاختراع تمثل عقبة أمام الدول النامية في سعيها للحصول على الحلول التقنية اللازمة لمعالجة تغير المناخ. كما شدد على ضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة هذه المشكلة، مشيراً إلى المفاوضات الجارية في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبخاصّة المقترحات من أجل إنشاء "آلية تسهيل التقنيات".

لقد نوقشت مثل هذه المقترحات في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لسنوات عديدة. لكن نتائجها كانت محدودة نوعا ما حتى الآن. سوف يرحب كثير من الناس، وأنا من بينهم، بإنشاء صندوق عالمي لتطوير التقنية والذي يمكن استخدامه لتحفيز الأبحاث، إضافة إلى وضع خطة لتوزيع الحلول التقنية بشكل عادل. لكن حتى لو تم إنشاء مثل هذه الآلية، فلن أكون راغبا في التخلي عن حوافز السوق (مثل براءات الاختراع) التي يمكن أن تعمل كنهج سياسات بديلة. إن دينامية النظم التي يحركها السوق قد (أو قد لا) تنتج حلولا أفضل، وأسرع، للمشاكل المرتبطة بتغير المناخ. (أتذكر سباق تسلسل الجينوم البشري، الذي شهد تنافسا بين الجهود الكبيرة المدعومة من الحكومة والجهود الخاصة).

التركيز على المنافسة. أشار كورّيا أيضا بشكل صحيح إلى صعوبة إثبات أن براءات الاختراع تمثل عقبة أمام نقل التقنية. إذ كيف يمكن للمرء التعرف على جهود التخفيف من آثار التغيرات المناخية والتكيّف معها في الدول النامية التي تم تركها في مواجهة عقبات الملكية الفكرية؟ من الصعب فعل ذلك في غياب عالم مغاير للواقع يفتقر إلى وجود براءات الاختراع— أو عالم يوجد به براءات الاختراع ونظام أوتوماتيكي لمنح التراخيص لها. لذلك فإن فرضية كوريا بأن براءات الاختراع تمثل عقبة أمام مبادرات المناخ في الدول النامية لم يتم "إثباتها". كذلك لم يتم إثبات فرضية أحمد عبد اللطيف بأن براءات الاختراع قد  لا تمثل عقبة. لكن ربما يتفق كلا المؤلفين على أنه لا يجب على العالم الانتظار لمواجهة تغير المناخ حتى يتم إثبات إحدى هذه الفرضيات.

ثمة منهج تحليلي لمعالجة التناقض الواضح بين كوريا وعبد اللطيف يمكن إدراكه من خلال سياسات المنافسة (أو مكافحة الاحتكار) المطبقة على تراخيص الملكية الفكرية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ففي كلا التشريعين، تقر المبادئ التوجيهية للترخيص الحكومي بأن براءات الاختراع (وغيرها من أشكال الملكية الفكرية) هي حقوق ملكية والتي، بحكم تعريفها، تمنع المنافسين من صنع أو استخدام تقنيات مؤمن عليها. وهذا بطبيعته مانع للمنافسة. ومع ذلك، تراعي أيضا المبادئ التوجيهية في كل تشريع أن براءات الاختراع، من خلال تشجيع الاستثمار في الابتكار، قد تسهل دخول منتجات جديدة إلى السوق. وهذا يخلق منافسة جديدة للمنتجات الحالية يستفيد منها المستهلكون، وهذا بطبيعته يشجع على المنافسة.

من وجهة نظر إنفاذ قانون المنافسة، يتم النظر إلى هذه الآثار (وتقييمها) بشكل عام من خلال عدسة اختبار موازنة (أو ما يسمى بـ"حكم المنطق"). هل الآثار المانعة للمنافسة أو المشجعة على المنافسة سائدة؟ كذلك، وربما يكون هذا الأمر أهم من السابق، تضع السلطات المراقبة للمنافسة في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مستويات دنيا لتركيز السوق والتي يجب الوصول إليها قبل أن تخضع صفقات الترخيص إلى التدقيق الحكومي بموجب حكم المنطق، وهو نوع من "الملاذ الآمن". وتشترط هذه المستويات عموما أنه إذا كان مانح ترخيص براءة اختراع والمرخص له يسيطران معا على 20 في المئة أو أقل من سوق المنتجات أوالتقنيات أو البحث والتطوير المؤمن عليه بواسطة إجراءات للترخيص، فيفترض أنهما يفتقران إلى القوة القامعة للمنافسة أو الحفاظ على أسعار أعلى من أسعار السوق التنافسية على مدى فترة متواصلة. ومن وجهة نظر إنفاذ قانون المنافسة، فإنها سوف يتركان وشأنهما (وذلك ما لم تشمل الترتيبات بعض الأحكام التي تعتبر غير قانونية في حد ذاتها، على سبيل المثال، الاتفاقات الأفقية بين المتنافسين لتحديد الأسعار).

إن القيام بنقل معايير المنافسة الخاصة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى مجال نقل التقنية إلى دول في مراحل مختلفة في سلسلة التنمية ليس أمرا يسير بشكل تسلسلي. ففي الأسواق المختلفة للتقنيات، قد تختلف كذلك مستويات التركيز أو التحكم التي تثير المخاوف المانعة للمنافسة. ومع ذلك، فإن النظرية الأساسية التي تستخدمها السلطات المراقبة للمنافسة في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ستبقى على ما يبدو صحيحة— إذ تكون احتمالات منع المنافسة وقمعها محدودة في أسواق التقنية التي يتواجد بها متنافسون متعددون.

وفيما يتعلق بالتخفيف من آثار تغير المناخ وتقنيات الطاقة البديلة، فقد يتم إنشاء سوق نشطة لهذه التقنيات إذا كانت هناك منافسة كافية بين الحلول التقنية التي يتم تطويرها بشكل خاص. إذ ينبغي أن يحد ذلك من فرص قمع المنافسة أو التسعير المبالغ فيه. لكن اذا سارت الأمور بخلاف ذلك، فإنه من المهم التأكد من أن إنفاذ قانون المنافسة قوي بما فيه الكفاية لمعالجة الوضع— وهذا يشمل ضمان أن الدول النامية لديها الموارد الكافية من أجل ضبط أي إساءة مانعة للمنافسة.

في النهاية، قد يكون النهج الأمثل للأسواق التنافسية الخاصة هو العمل جنبا إلى جنب مع نظام ممول من قبل القطاع العام للبحث والتطوير ونقل التقنية. دعونا نسمح بانتشار آلاف التقنيات.

المطلوب: إجراءات ملموسة

كتب أحمد عبد اللطيف في مقاله الثاني أنني قدّمت "عددا من المعلومات التي… لا تروي القصة بأكملها حول العلاقة بين حقوق الملكية الفكرية وتقنيات الطاقة النظيفة". لكنه قام بعد ذلك بتقديم معلومات تدعم حجتي الرئيسية في هذه المائدة المستديرة بدلا من تقويضها: وهى أن الدول النامية سوف تواجه عقبات في سعيها للحصول على تقنيات منخفضة الكربون.

كما لاحظ عبد اللطيف أنه على الرغم من أن الشركات في العالم المتقدم تهيمن على براءات الاختراع المتعلقة بتقنيات الطاقة منخفضة الكربون، فإن "هذه الظاهرة ليست خاصة بالطاقة منخفضة الكربون. إذ إن الوضع نفسه منتشر في العديد من القطاعات التقنية". وعبد اللطيف محق في ذلك، لكن هذا يؤكد فقط على اللاتماثل بين الشمال والجنوب الذي يميز ملكية التقنيات الحديثة. وبطريقة مماثلة، عندما ذكر عبد اللطيف أن انتشار براءات الاختراع في أنظمة الطاقة منخفضة الكربون "يعكس فقط أن هناك ارتفاع عالمي واسع النطاق في طلبات براءات الاختراع "، فقد أكد على أن هناك عددا متزايدا من طلبات براءات الاختراع يتم تقديمها في مجال التقنيات منخفضة الكربون. وبالنسبة للشركات في الدول النامية، بل ولأي طرف مهتم بالتقنيات الحاصلة على براءة اختراع، فإن هذا الانتشار يجعل من الصعب تحديد الاختراعات الحاصلة على البراءة والجهات المانحة لها. وهذا الأمر يعقد التفاوض بشأن التراخيص. أضف إلى ذلك أن أصحاب براءات الاختراع يكونون غالبا غير راغبين في النظر في أمر منح التراخيص على أية حال، وخاصة إذا كانوا يفضلون تزويد السوق المعنية من خلال الصادرات.

وفي سياق مماثل، عندما أشار عبد اللطيف إلى أنه لم يتم منح أي تراخيص إجبارية في الولايات المتحدة بموجب قانون الهواء النظيف، فإنه في الحقيقة ركز على النطاق الضيق من القانون— الذي يتناول فقط ملوثات الهواء. وقد أشار عالم الاقتصاد الصناعي البارز إف.إم. شيرر بجامعة هارفارد في عام 2007 إلى أن آلاف من براءات الاختراع قد خضعت للترخيص الإجباري في الولايات المتحدة.

لكن تبرز هنا مسألة أوسع نطاقا: عندما يجادل الناس بأن حقوق الملكية الفكرية، ولا سيما براءات الاختراع، لن تخلق عقبة أمام الدول النامية التي تسعى للحصول على تقنيات منخفضة الكربون، فإنهم غالبا يطلبون أدلة تجريبية على أنه لا يوجد نقل للتقنيات المحمية. بدلا من ذلك، يجب عليهم أن يقيموا الدليل على أنه يوجد بالفعل نقل لهذه التقنيات. وكما يدرك المحامون والقضاة جيدا، فإن إثبات النفي أمر صعب للغاية، وغالبا ما يكون مستحيلا. ومع ذلك، تزداد الأدلة بأن براءات الاختراع في مجال تقنيات الطاقة الخضراء سوف تؤدي إلى مشاكل حقيقية. نأخذ على سبيل المثال تقنيات الوقود الحيوي، التي تبشر بتوليد انبعاثات منخفضة للغازات المسببة للاحتباس الحراري طوال دورة حياتها، وبالتالي الحد من استهلاك الوقود الأحفوري. إن ساحة الوقود الحيوي مزدحمة ببراءات الاختراع، والغالبية العظمى منها مملوكة لشركات في الدول المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة (على الرغم من ظهور عدد متزايد في الصين كذلك). وقد ذكر مجلس نوفيلد للأخلاقيات البيولوجية أنه "بالنظر إلى حجم التقنيات المرجح أن تشارك في إنتاج أنواع جديدة من الوقود الحيوي، يبدو أن المجال معرض بشكل خاص لتكدس وتركيز براءات الاختراع". لقد كان التقاضي بشأن براءات الاختراع في مجال الوقود الحيوي كثيفا للغاية، ويبين ذلك عزم أصحاب براءات الاختراع على استبعاد المنافسين المحتملين.

لن يقدم المجتمع الدولي سوي القليل لمعالجة المشاكل المرتبطة بالملكية الفكرية والتقنية الخضراء إذا تم تجاهل هذه المشاكل أو التقليل من شأنها. وهذا يمكن أن يزيد من صعوبة تحقيق أهداف تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معه. ولن تكون الدول النامية هى فقط المتضررة— إذ إن العالم كله مرتبط ببعضه البعض عندما يتعلق الأمر بالمناخ. لذلك سيكون من الحكمة أن توافق جميع الدول، المتقدمة والنامية على حد سواء، على اتخاذ تدابير محددة لإزالة العقبات الفعلية والمحتملة لنشر التقنيات الخضراء.

تجري حاليا مناقشات، داخل منظومة الأمم المتحدة، بشأن إنشاء "آلية تسهيل التقنيات" التي من شأنها أن تعزز "تطوير ونقل ونشر التقنيات النظيفة والسليمة بيئيا". يجب ألا تغفل هذه المناقشات حقيقة أن حقوق الملكية الفكرية بطبيعتها— بغض النظر عن دورها الفعلي في تعزيز الابتكار— تمنح الشركات الخاصة سلطة اتخاذ القرار بشأن من الذي يستخدم تقنية معينة وتحت أي ظروف. يجب أن تخضع هذه السلطة إلى المصلحة العالمية— وهى تحقيق الاستدامة البيئية لكوكب الأرض بأكمله.



Topics: Climate Change

 

Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_w1sw"]