The authoritative guide to ensuring science and technology make life on Earth better, not worse.
By Sonja Schmid, May 20, 2016
يوافق يوم الـ26 من إبريل الذكرى الـ30 لكارثة تشيرنوبل، والأشخاص الذين يتذكرون هذا الحدث يمكنهم أن يستحضروا مشاهد الانفجار والإخلاء والفزع. لكنهم نادرا ما يتذكرون حدثا هائلا في الاستجابة لهذه الكارثة: ألا وهو الانتهاء في نوفمبر من عام 1986 من التغطية الخرسانية لمفاعل تشرنوبل رقم أربعة. حيث قام عمال تم جلبهم من جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي ببناء هذا "التابوت" على أنقاض المفاعل المدمر في ظل ظروف إشعاعية عالية. حيث استخدموا كميات لا يمكن تصورها من الخرسانة— وقدرا كبيرا من الخيال. وقد صمدت هذه القبة الخرسانية، مع بعض الدعم، لمدة 30 عاما حتى الآن. (وحاليا يتم بناء هيكل أكبر ليغطي التابوت الحالي).
وبعدما تناقصت صفوف أولئك الذين استجابوا لكارثة تشيرنوبل على مر السنين، تم تدريب أجيال جديدة من المهنيين النوويين لمنع حدوث كارثة أخرى. وقد ركزّ تدريبهم على "ثقافة السلامة". وكان من المفترض أن يضمن ذلك الأمر، إضافة للـ"التصاميم الآمنة بطبيعتها"، مستقبلا نوويا خالٍ من الحوادث. ولبعض الوقت، بدا الأمر كما لو كان العالم على وشك النسيان إلى الأبد ما الذي تتطلبه فعلا الاستجابة لحالة طوارئ نووية. لكن في مارس 2011، انصهرت عدة مفاعلات متعددة في واحدة من أكبر محطات الطاقة النووية في العالم نتيجة لزلزال مدمر، تسونامي، وانقطاع مستمر للتيار الكهربائي.
وبصفتي دارسة لبرنامج الطاقة النووية السوفيتية وكارثة تشيرنوبيل، كان مؤلما بالنسبة لي مشاهدة لعبة اللوم التي جرت على الفور عقب كارثة فوكوشيما. حيث تم اتبّاع "سيناريو" تشيرنوبل بشكل حرفي تقريبا. في البداية، تم إلقاء اللوم على مشغلي المحطة. ثم تبيّن أن هناك خطأ في تصميم المفاعل. وأخيرا، جاء الدور على هيئة التنظيم النووي الوطنية. كما تلقت"الثقافة"، بطبيعة الحال، قدرا كبيرا من اللوم أيضا.
ولكن في حين يمكن وصف تشيرنوبل في النهاية بأنها كارثة سوفيتية الصنع والتي "لا يمكن أبدا أن تحدث هنا"— أينما كان موقع "هنا"— لم تسمح فوكوشيما بمثل هذا النفي القاطع. وبالفعل، فقد أثبتت فوكوشيما أنها كانت ناقوس الموت لفلسفة السلامة النووية التي تركز حصريا على منع وقوع الحوادث. التأهب للكوارث والاستجابة لها قد أُعطيا قدرا ضئيلا من الاهتمام في السنوات الفاصلة ما بين تشيرنوبل وفوكوشيما، لكنهما الآن قد أُضيفا إلى قاموس مفردات الصناعات النووية في العالم. لكن من الغريب، أن هذا التحول هو تحول جزئي فقط. إذ تستأثر الوقاية من الكوارث على النصي الأكبر من الاهتمام، كما يلقى التأهب للكوارث أحيانا نفس القدر من الاهتمام. لكن المصادر (والخيال) المكرّس لاستراتيجيات الاستجابة الفعلية لا يزال نصيبها من الاهتمام محدودا.
إن "الدروس المستفادة" من فوكوشيما— وكذلك التقارير الجديدة التي لا تزال تنشر عن هذه الدروس— تركز في الغالب على الحلول التقنية والقانونية والإصلاح التنظيمي والشواغل المتعلقة بالمسؤولية. وفي الولايات المتحدة، استجابت اللجنة التنظيمية النووية لكارثة فوكوشيما من خلال تعديل قواعدها ومبادئها التوجيهية المتعلقة بمنع الحوادث والتأهب والاستجابة لها. وفي الوقت نفسه، قامت الصناعة النووية الأمريكية بتنفيذ برنامج FLEX الذي يهدف إلى تزويد مفاعلات نووية معرضة للخطر بمعدات مثل مضخات إضافية ومولدات كهربائية، سواء عن طريق إتاحتها في الموقع أوتخزينها في المراكز الإقليمية. وفي أوروبا، خضعت مفاعلات الطاقة "لاختبارات الاجهاد" عقب كارثة فوكوشيما، وقد أثارت هذه الاختبارات نقاشا بين الدول المضيفة لمفاعلات الطاقة النووية حول مواءمة اللوائح الوطنية بشأن المخاطر الطبيعية (وغيرها) لمحطات الطاقة النووية، ولو حتى تمّ ذلك بشكل غير وثيق.
مثل هذه الخطوات تسير في الاتجاه الصحيح. لكن التركيز على الوقاية والتأهب دون الاستجابة يتجاهل حقيقة بسيطة: هى أن الكوارث النووية تتجاوز غالبا أسوأ التوقعات البشرية. وهناك سبب وجيه يجعل الصناعة النووية تشير إلى الكوارث باعتبارها "حوادث غير ناتجة عن التصميم"— إذ يوجد فقط عدد محدود من السيناريوهات التي يمكن توقعها والإستعداد لها. وبالتالي، تتطلب الكوارث وضع استراتيجيات مبتكرة للاستجابة تكون قائمة على المهارات والعمل الجماعي (مع بذل جهود مضنية لتجنب الكوارث تماما).
إن تدريب عمال الاستجابة لحالات الطوارئ يميل بوجه عام إلى التأكيد على المرونة والخيال، مع إيلاء أهمية كبرى لإجراء تقييمات سريعة وعمليات فرز بشكل غير مسبوق. لكن الوضع يختلف في حالة التدريب على الاستجابة لحالات الطوارئ النووية. إذ تبدو الصناعة النووية منزعجة للغاية من استخدام الخيال البشري لمعالجة الحالات التي تكون "خارج إطار القوائم المرجعية". في أوروبا والولايات المتحدة على الأقل— حيث إنني لا أستطيع أن أتكلم عن العالم أجمع— تبدو الصناعة النووية متيّمة بفكرة السيطرة. حيث توجد خطة لكل حالة طارئة يمكن تصورها. وفي حال فشل بعض الخطط، يوجد مزيد من الخطط الأخرى. ويتم تدريب العاملين على اتباع الإجراءات وتنفيذ التعليمات. لكن إن لم يفعلوا ذلك، فسيكون ذلك أمرا سيئا للغاية.
إلا أن هذه الطريقة، على النحو الذي وثّقه عالم الأنثروبولوجيا كونستانس بيرين، تخفق في الأساس في الاعتراف بالفوضى في تشغيل التقنيات الناقصة الموجودة في العالم الحقيقي (حيث إن جميع التقنيات ناقصة). والأسوأ من ذلك، فهى تعطل جانبا من جوانب الإبداع ، على الرغم من ارتباطه غالبا بموسيقى الجاز، والذي يمكن أن يكون هاما للغاية في حالات الطوارئ النووية: ألا وهو الارتجال. في الموسيقى، يستحضر الارتجال في الأذهان أعمالا غريبة وعشوائية وربما انفرادية. ولكن إذا تم التأكيد عليه في التدريب المتعلق بحالات الطوارئ النووية، فإن استعارة الارتجال يمكن أن تساعد في إعداد عمال الاستجابة لحالات الطوارئ للقيام بأعمال قائمة على المهارات والعمل الجماعي ودرجة عالية من التنظيم، في ظل ظروف صعبة.
في أي كارثة، يحدث الارتجال. حدث ذلك في تشرنوبيل، حتى لو كان تم شطب الخيال الإبداعي تماما من جميع التقارير المكتوبة. حدث الارتجال في فوكوشيما، وفي الحقيقة سوف يكون مزيد من الارتجال ضروريا إذا أردنا عدم تكرار كارثة فوكوشيما. يميل المرء غالبا إلى تذكر العمل الابداعي عندما يفشل فقط. وارتكاب مثل هذا الخطأ يعمل على انغلاق العقليات على فكرة السيطرة والتحكم. لكن مثل هذه العقليات سوف تنفجر— مرة أخرى— جرّاء حالة الطوارئ النووية التالية.
Topics: Nuclear Energy
Share: [addthis tool="addthis_inline_share_toolbox"]